لما ورد خبر موتهما على رستم بن الحسن بن ذاذان، وكان من شيعة اليمن، أرسل أبا عبد الله الشيعي أو المشرقي إلى المغرب، وقال له: (إن أرض المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان، وقد ماتا وليس لها غيرك، فبادر فإنها موطأة ممهدة لك) ([9]) فذهب أبو عبد الله إلى الحج، وسأل عن أهل كتامة، وتعرف إليهم، وتألفهم بما أظهر من الخشوع والزهد والعبادة، ودخل معهم إلى كتامة سنة 288 وبدأ ينشر مذهبه، ونزل بفج الأخيار وأخبرهم بأن المهدي بشره بظهور أمره من فج الأخيار، وأن اسم كتامة مشتق من الكتمان.
فشل الجيش الذي بعثه والي إفريقية، إبراهيم بن الأغلب بقيادة ابنه الأحول في القضاء على أبي عبد الله الشيعي، بعد أن اشتد عوده، وتغلب على مناوئيه من البربر، فلم تستطع جيوش الوالي إنهاء أمر هذه الدعوة وإن استطاعت أن تهزمها في بعض المواقع. وبعد موت إبراهيم بن الأغلب، خلفه زيادة الله بن الأغلب الذي كان منشغلا بلهوه، وقتل الأحول، فاشتد فرح أبي عبد الله وأتباعه، وبدأ يخبرهم بقرب ظهور المهدي.
بعد أن استقرت الأوضاع لأبي عبد الله الشيعي، أرسل إلى عبيد الله بن محمد بن حبيب الذي كان يدعي بأنه هو المهدي، رجالا يخبرونه بما فتح الله عليهم، وأن الأرض موطأة لقدومه.
استطاع عبد الله المهدي أن يتخفى طيلة الطريق في زي تاجر، ولكنه وقع في الأسر على يد اليسع بن مدرار أمير سجلماسة، لكنه بقي شاكا في أمره، ولم يتيقن أنه المهدي الذي يبحث عنه، ولم يستطع أن ينتزع اعترافا من أصحابه رغم تعذيبهم.
وأرسل زيادة الله جيشا قوامه أربعين ألفا للقضاء على أبي عبد الله، فانتصر عليهم أبو عبد الله وغنم كل ما معهم، وأرسل لأبي عبيد الله المهدي رسالة في حبسه يبشره بالنصر والفتح.
تتابعت الحروب بين زيادة الله وأبي عبد الله، إلى أن هزمه واستولى على القيروان ودخل مدينة رقادة، وبعد أن دانت له إفريقية، دخل مدينة سجلماسة وانتصر على أميرها اليسع بن مدرار الذي لم يقتل عبيد الله المهدي، إذ أصر عبيد الله وأتباعه على كتمان أمره، وبأنه مجرد تاجر، ولم يجدِ تعذيب الأمير لأصحابه وابنه لكي يعترفوا بأمره، إلى أن تم الأمر لأبي عبد الله، وأخرج عبيد الله المهدي وولده من السجن في ذي الحجة سنة 296 هجرية.
أصبح عبيد الله المهدي أمير إفريقية ودانت له كل البلاد، وجمع أموال زيادة الله فقسمها على أهل كتامة، وعينهم عمالا على البلدان.
بدأ الدعاة في نشر المذهب بالقوة، وتم عرض الناس بين يدي المهدي، فمن لم يعتنق المذهب قتل.
بدأت العلاقة بين أبي عبد الله الشيعي وعبيد الله المهدي تسوء، لاستبداده بالأمر دونه، فأقدم المهدي بعد ذلك على قتل الرجل الذي وضعه على كرسي الحكم، وأهدى له هذا الملك، فتم قتل أبي عبد الله الشيعي وقتل أخاه، ومجموعة من أصحابهما، سنة 298. ([10])
المبحث الثاني: موقف علماء المغرب من هذا المد الجديد:
لكن هل حل هذا المذهب أرض المغرب على الرحب والسعة، وتلقاه أهلها بالبشر والترحيب؟
لقد نزل أبو عبد الله الشيعي في قبيلة كتامة، وكان لهذه القبيلة مواصفات جعلتها ترحب بهذا الفكر الجديد، وتتبناه، لسببين رئيسيين:
1 - كونها قبيلة بدوية يغلب عليها الجهل، ويتبين ذلك من عاداتها التي ذكرها الشريف الإدريسي وغيره.
2 - تقطن منطقة جبلية بجبل إيكجان، قرب مدينة سطيف، التي تقع في شرق الجزائر مما يلي تونس. ([11])
فكانت هذه القبيلة النواة الأولى التي اعتمد عليها الشيعي في تقوية نفوذه ونشر سلطانه، وقد كانت قد تشربت المذهب منذ وصول الداعيان الحلواني وأبو سفيان إليها.
فليس من شك في أن كتامة تشيعت واقتنعت بهذا المذهب وحاربت لأجله ودانت به.
وقد كانت كما يقول الشريف الإدريسي قبائل كثيرة، لكنها اضمحلت مع الزمن، قال: (ولم يبق من كتامة في وقت تأليفنا لهذا الكتاب إلا نحو أربعة آلاف رجل) ([12]) أي في القرن السادس فالشريف توفي سنة 560 هجرية.
لكن الوضع في حواضر إفريقية كان مختلفا…
فلقد جابه العلماء هذا المذهب الشيعي، وكفروه ورفضوه، وشهدت القيروان كبرى حواضر المغرب، صراعا واسعا، على المستوى الفكري والسياسي بين المذهبين.
¥