ومعلوم أنه حتى لو قلنا: إن الشافع هذا حقيقة له شفاعة فمن الذي أهله للشفاعة؟ ومن الذي قبل شفاعته؟ إنه الله -سبحانه وتعالى- فلا يجوز بالتالي أن تنسب النعمة إلى هذا الشافع أو هذا الشفيع وتنسى الله -عز وجل- الذي سخر هذ الشفيع ويسر له وأَهَّله وجعله أهلاً لأن يشفع، فكل هذا يجعل الإنسان في الحقيقة يعمق معاني التوحيد في قلبه والارتباط بالله -سبحانه وتعالى- وعدم نسيان نعم الله -عز وجل- وأفضاله على العبد، مهما حصل له من هذه الأمور عن طريق هذه الأسباب فعليه ألا ينسى مسبب الأسباب وهو الله -عز وجل-.فالواجب إضافة النعم إلى الله -سبحانه وتعالى- لا أن تضاف إلى غيره من الأسباب المخلوقة.
لكن هل يجوز أن يضيفها؟
نقول: الشرط ألا ينسى المسبب الحقيقي وأن لا تكون إضافتها مشعرة بأن هذه هي الفاعلة أو هي التي يسرت هذه النعمة حتى وصلت إليه، والواجب على المؤمن أن يتعلق بالله -سبحانه وتعالى- وأن يشكر نعم الله وأن يتذكر نعم الله عليه دائماً وألا ينسبها إلى هذه الأشياء المخلوقة.
38 - سؤال:هل لابد فضيلة الشيخ أن يلفظ هذا الأمر هذه النسبة أو يكتفي باعتقاد قلبه؟
الله -سبحانه وتعالى- يقول: ? وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ? [النحل: 53] فالنعم كلها من الله -سبحانه وتعالى- فالقلب المعمور بشكر الله -سبحانه وتعالى- واستحضار نعم الله -عز وجل- لا يتناسى نعم الله ولا يتعلق بهذه الأسباب.
39 - هذا الأمر في الحقيقة يعني حينما نقول: لا ينبغي أن تنسب ما يأتيك من نعم إلى الأسباب، بل إلى الله -عز وجل- لا يعني أنك ما تشكر من كان سبباً في وصول النعمة إليك يسره الله -عز وجل- وسخره فإنك تشكره كما سبق معنا (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) فالسبب أو جزء من السبب يمكن أن يشكر ويدعى له ونحو ذلك، ولكن يعلم أن الله -عز وجل- هو الذي سخره ويسره وأوصل الأمر على يده.
40 - وهذه الألفاظ في الحقيقة تتنوع وبعضها أكبر من بعض، وهي أنواع كثيرة ما نقف عند لفظة: كانت الريح طيبة والملاح حاذقاً في السفينة؛ بل يقاس عليه أشياء كثيرة في وقتنا وفي كل زمان وفي كل مكان قد تكون هناك ألفاظ دارجة، يعني: مثل قول بعضهم: " لولا السائق لولا أن السائق لانقلبت السيارة " سبحان الله!! يعني ينسى أن الله -عز وجل- هو الذي حفظهم وهو الذي يسر لهم النجاة، ثم ينسبونها إلى حذق السائق، لولا أن السائق ماهر لانقلبت السيارة، هناك من هو أحسن من هذا السائق ومع ذلك انقلبت سيارته، فكيف تنسب نعمة الله -عز وجل- لك بالنجاة تنسبها للسائق؟! أو بعضهم يقول: لولا الطبيب لمات المريض، لولا أن الطبيب كان موجوداً لولا أن الطبيب فلان لمات المريض وهلك.
سؤال:لو قرنت فضيلة الشيخ هذا الأمر بحمد الله -عز وجل- قال: كدنا أن نغرق لولا وجود هذه الريح بحمد الله -عز وجل- أو كدنا أن نصطدم بهذا لكن بحمد الله -عز وجل- السائق كان حاذقاً أو كذا.
إذا قرنها بما يشعر بنعمة الله -سبحانه وتعالى- بإنعام الله -سبحانه وتعالى- هذه تنجيه من نسيان التفضل، التفضل من الله والإنعام من الله -سبحانه وتعالى-
41 - سؤال:بالنسبة للأشاعرة من المعلوم أنهم يؤولون صفات الله -عز وجل- فمثلاً قوله تعالى: ? يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ? [الفتح: 10] يقولون توفيق الله معهم، فهم في هذا الوقت ينكرون أن لله -عز وجل- يدا، والسؤال للشيخ هل يدخلون الأشاعرة فيمن ينكر صفة من صفات الله -عز وجل-؟
ذكرنا فيما سبق أن الأشاعرة يؤولون بعض الصفات ويثبتون بعضاً، ولكنهم عندهم تأويل للنصوص التي تثبت صفات لا يثبتونها؛ بل يؤولونها إلى الصفات التي يثبتونها، فمثلاً يؤولون اليد بالقدرة أو النعمة، ويؤولون الرحمة بإرادة الإنعام، يعني يؤولونها بالصفة الأخرى التي يثبتونها أو بإرادة الصفة أو بإرادة فعل والإرادة يثبتونها هم، فعندهم هذا التأويل، لكن هذا التأويل يدرأ التكفير، ومعلوم أن الكفر هناك موانع تمنع منه، وأنا الحقيقة أحب أن يركز، وأحب أن يكون هناك درس خاص بضوابط التكفير وشروط التكفير وموانع التكفير، لأن بعض الناس مع هذه الإطلاقات قد لا يفرق أو لا يركز فالتكفير يمنع منه موانع منها الخطأ، ومنها الجهل، ومنها التأويل ومنها الإكراه، ونحو ذلك، فهؤلاء تأولوا هم يريدون التنزيه، تنزيه الله تعالى ولكنهم أخطأوا في تأويلاتهم.
42 - سؤال: فضيلة الشيخ هناك للأسف الشديد بعض الناس يغفل عن أن يجري ذكر الله -عز وجل- على لسانه، وهي عبادة لا شك أن يكون الإنسان دائماً مستحضراً نعمة الله -عز وجل- عليه، وفضله عليه، وأن يستشعر ذلك في كل ما يحصل له من أمور خيِّرة، وأن يستشعر ذلك حتى في الأمور السيئة التي تحصل للإنسان وأن الله -عز وجل- يريد بهذا الأمر خيراً إن علمه الإنسان أو جهله.
لا شك أن الإنسان الذي يغفل أو يتثقل ذكر الله -سبحانه وتعالى- هذا من كفران نعمة الله -عز وجل- كيف ينعم الله -عز وجل- على شخص وعلى عبد بنعم كثيرة، ونعم الله لا تعد ولا تحصى ? وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا ? [النحل: 18] وبعد ذلك تجد هذا الشخص يقابل هذه النعم بالكفران، وينسبها إلى غير مسديها، قد ينسبها لنفسه أو إلى أحد من الناس وينسى الله -عز وجل- الذي وفق ويسر وهيأ هذا السبب حتى حصلت له هذه النعمة.
أما أهل التوحيد وأهل الإيمان فإنهم لا ينسون ربهم -سبحانه وتعالى- لا في السراء ولا في الضراء فهم في السراء يشكرون وفي الضراء يصبرون وهم دائماً يلهجون بحمد الله وشكره، والثناء عليه وذكر نعمه، وإذا نسبوا الأشياء إلى أسبابها فإنهم مع نسبتهم إذا كانت أسبابا ظاهرة لا ينسون المنعم وهو الله -سبحانه وتعالى-.
¥