نعم هذا الحديث الذي رواه النسائي وابن ماجه بسند حسن، فيه أن هذا الرجل عَظَّمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (ما شاء الله وشئت) تعظيماً للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجه هذا وقال: (أجعلتني لله ندا) يعني مثيلاً أو معادلاً لله -سبحانه وتعالى- كيف تقول: (ما شاء الله وشئت)؟ كيف تجمع بين مشيئتي ومشيئة الله -عز وجل-؟ ثم وجهه إلى أن يقول: (بل ما شاء الله وحده).
في الحديث السابق ماذا قال؟
(ما شاء الله ثم شئت).
وهنا قال: (ما شاء الله وحده) إذن عندنا بالنسبة للمشيئة مشيئة الخالق ومشيئة المخلوق ثلاث حالات أو ثلاث درجات:
أن يقول القائل: ما شاء الله وشئت، فهذا شرك أصغر لا يجوز؛ لأن فيه تسوية بين مشيئة الخالق ومشيئة المخلوق.
الدرجة الثانية أو الحالة الثانية: أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، وهذا جائز؛ لأن فيه تأخيرا لمشيئة المخلوق عن مشيئة الخالق -سبحانه وتعالى-.
والحالة الثالثة أن يقول: ما شاء الله وحده. هذه أكمل وهنا في هذا الحديث وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل إلى الأكمل وأن يقول: ما شاء الله وحده.
سؤال:الأخ الكريم يقول: إذا قال شخص: أنا داخل الله على الله وعليك وأنكرت عليه فكأنه لم يستجب إلى إنكاري فما حكم ذلك يا شيخ؟.
نعم، هذا دارج كثير وحينما تنكر عليهم يقولون: نحن ما نقصد، لكن درج على ألسنتنا، نقول: حتى لو درج على ألسنتكم فيجب أن تصححوا كلامكم وألفاظكم وهذا الشخص ينبغي أن يُعَلَّم ولكن أيضاً يؤخذ باللطف، يعني بعض الناس قد لا يتحمل أن تنكر عليه هذا الشيء فينبغي حقيقة لدعاة التوحيد أن يستخدموا أحسن الوسائل التي تحبب التوحيد إلى الناس وتجعل الناس يرغبون بهذا الدين وبهذا العقيدة الصحيحة بعض الناس حينما يشعر أنه صاحب حق والذي أمامه صاحب بدعة أو ضلالة يعني يجد في نفسه الاندفاع لأن ينكر عليه، نقول: نحن نعم ننكر عليه ولا نحب هذا العمل لكن أيضاً يهمنا أن يهتدي هذا الشخص، اهتداء الشخص هذا أهم من مجرد الإنكار، لأن تحبيب السنة إليه والتوحيد أهم من أنك تنكر عليه ثم يذهب وهو مُصر على بدعته أو ذنبه أو معصيته وربما يدعو إليها وربما يعني أيضاً يكون عدواً لك ولما تدعو إليه، فالمهم أن نأخذ الناس بالأسلوب الطيب والتعليم الحسن أو بالتوجيه حتى يعرفوا السنة ويبتعدوا عن البدعة والمخالفات.
50 - نعود بالنسبة للدهر وسب الدهر وأن الدهر لا يقصد به سب لفظ الدهر، وإنما ما يدخل تحته من الأيام والأسابيع والساعات والأشهر والسنين والأعوام، فسب أي شيء من هذا يدخل في سب الدهر المنهي عنه، وهذا يحصل عند كثير من الفساق والمجان والحمقى الذين يسبون دهرهم ويسبون أيامهم ويسبون بعض الساعات إذا جرت عليهم مقادير بغير ما يريدون، فتجدهم يسبون ويشتمون، ويلعون، ويتضجرون من هذه الأيام، ومن هذه الساعات أو من هذه الأعوام، فهم في الحقيقة يسبون الوقت الذي حصل فيه هذا المكروه لهم، أو حصلت فيه عليهم هذه المصيبة، وربما يلعنون هذا اليوم أو هذه السنة -والعياذ بالله- فتجد ألسنتهم بذيئة دائماً يحقرون ويلعنون، ويتذمرون ويشتمون أيامهم ولياليهم وأزمانهم سواءً من خلال القصائد التي ينظمونها أو من خلال الكتابات التي يكتبونها، أو من خلال الأقوال التي يقولونها، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم فتجدهم دائمي اللوم للدهر والليالي والأيام، وأنها أخذت منهم ما يريدون، أو أخذت منهم ما يريدون أو منعتهم ما يحبون أو أتت بما يكرهون أو نحو ذلك من العبارات التي هي في حقيقتها تسخط على الرب -سبحانه وتعالى- وفيها سب؛ لأن السب في الحقيقة هو العيب، السب هو العيب في الحقيقة، وهو يرجع إلى من دَبَّرَ الدهر ومن صَرَّفَ الدهر؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي صَرَّفَ هذا الدهر كما سيرد في الحديث بعد هذا.
51 - فالله -عز وجل- يقول في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم) والأذية هي ما خف أمره، وضعف أثره من الشرك والمكروه ونحو ذلك، فهذه قد يتأذى الله -سبحانه وتعالى- منها، ولكنه لا يتضرر، الله -عز وجل- لا يصيبه الضرر؛ لأن الله -عز وجل- أخبر أن العباد لا يضرونه كما قال -سبحانه وتعالى-: ? وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا الله شَيْئًا ? [آل عمران: 176] فهم لا يضرونه، والعباد لن يستطيعوا أن يضروا الله -عز وجل- ولكنهم يؤذونه بما يفعلونه من بعض المعاصي أو الشرك أو نحو ذلك.
52 - والسب في الحقيقة للدهر يمكن أن نقسمه إلى ثلاثة تقسيمات:
الأول: أن يسب الدهر يعتقد أن الدهر هو الفاعل، أن الأيام هي الفاعلة، أو أن الشهور هي الفاعلة من دون الله -سبحانه وتعالى- فهذا كفر، وهذا هو في الحقيقة هي عقيدة الدهرية، فإذا كان يضيف إليه من باب إضافة الشيء إلى من خلقه فهذا كفر.
الأمر الثاني أو الحالة الثانية: أن يسب الدهر باعتبار أن الدهر هو محل هذه الأفعال، يعني باعتبار أن الدهر هو المحل، وأن الفاعل هو الله -سبحانه وتعالى-،هذا محرم وإن كان لا يخرج من الملة.
الأمر الثالث: أن يأتي على جهة الخبر يعني يخبر بما حصل له في هذا اليوم، أو بما حصل في هذا اليوم أو يصف اليوم أو يصف السنة، كأن يقول هذا يوم عصيب أو هذا يوم شديد كما قال تعالى: ? هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ? [هود: 77] وقال تعالى: ? فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ? [فصلت: 16] فهذا جائز؛ لأن هذا من باب الوصف وحكاية الحال لا من باب السب.
¥