تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال: "وهذا من أصول أهل السنة وأئمة المشايخ، خصوصا مشايخ الصوفية؛ فإن أصل طريقهم الإرادة التي هي أساس العمل، فهم في الإرادات والعبادات والأعمال والأخلاق أعظم رسوخا منهم في المقالات والعلوم، وهم بذلك أعظم اهتماما وأكثر عناية، بل من لم يدخل في ذلك لم يكن من أهل الطريق بحال، وهذا حق؛ فإن الدين والإيمان قول وعمل، وأوله قول القلب وعمله، فمن لم ينقد بقلبه ولم يذل لله لم يكن مؤمنا ولا داخلا في طريق الله، ولهذا لم يتنازع المشايخ [المتصوفة] أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الناس يتفاضلون فيه، وأن أعمال القلوب من الإيمان كما يتنازع غيرهم".

وقال: "وقال الإمام العارف معمر بن أحمد الأصبهاني شيخ الصوفية في أواخر المائة الرابعة - قبل القشيري - في رسالة له: أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنّة وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين، قال فيها: وإن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، والاستواء معقول والكيف فيه مجهول، وأنه عز وجل مستو على عرشه بائن من خلقه والخلق بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة؛ لأنه الفرد البائن من الخلق الواحد الغني عن الخلق، وأن الله سميع بصير عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء، فيقول: هل من داع فأستجيبَ له؟ هل من مستغفر فأستغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر، ونزول الرب إلى السماء بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل؛ فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال".

وقال: "ومما يعتبر به أن النسّاك وأهل العبادة والإرادة توسعوا في السمع والبصر، وتوسع العلماء وأهل الكلام والنظر في الكلام والنظر بالقلب، حتى صار لهؤلاء الكلام المحدث، ولهؤلاء السماع المحدث، هؤلاء في الحروف وهؤلاء في الصوت، وتجد أهل السماع كثيري الإنكار على أهل الكلام كما صنف الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي مصنفا في ذم الكلام وأهله، [وهو] من أئمة أهل السماع، ونجد أهل العلم والكلام مبالغين في ذم أهل السماع كما نجده في كلام أبي بكر بن فورك وكلام المتكلمين في ذم السماع وأهله والصوفية ما لا يحصى كثرة. وذلك أن هؤلاء فيهم انحراف يشبه انحراف اليهود أهل العلم والكلام، وهؤلاء فيهم انحراف يشبه انحراف النصارى أهل العبادة والإرادة، وقد قال الله في الطائفتين: ((وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب، كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم، فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)) [سورة البقرة 113]. ولهذا تجد تنافرا بين الفقهاء والصوفية، وبين العلماء والفقراء، من هذا الوجه. والصواب أن يحمد من حال كل قوم ما حمده الله ورسوله كما جاء به الكتاب والسنة، ويذم من حال كل قوم ما ذمه الله ورسوله كما جاء به الكتاب والسنة، ويجتهد المسلم في تحقيق قوله: ((اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) [سورة الفاتحة 6 - 7]؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون)) ".

وقال: "وهذا أصل عظيم من أصول سبيل الله وطريقه يجب الاعتناء به، وذلك أن كثيرا من الأفعال قد يكون مباحا في الشريعة أو مكروها أو متنازعا في إباحته وكراهته، وربما كان محرّما أو متنازعا في تحريمه، فتستحبه طائفة من الناس يفعلونه على أنه حسن مستحب ودين وطريق يتقربون به، حتى يعدون من يفعل ذلك أفضل ممن لا يفعله وربما جعلوا ذلك من لوازم طريقتهم إلى الله، أو جعلوه شعار الصالحين وأولياء الله ويكون ذلك خطأً وضلالا وابتداع دين لم يأذن به الله. مثال ذلك حلق الرأس في غير الحج والعمرة لغير عذر؛ فإن الله قد ذكر في كتابه حلق الرأس وتقصيره في النسك، وذكر حلقه لعذر في قوله: ((فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)) [سورة البقرة 196]؛ وأما حلقه لغير ذلك فقد تنازع العلماء في إباحته وكراهته نزاعا معروفا على قولين، هما روايتان عن أحمد، ولا نزاع بين علماء المسلمين وأئمة الدين أن ذلك لا يشرع ولا يستحب ولا هو من سبيل الله وطريقه ولا من الزهد المشروع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير