عرضَ الحكم على عقله فما استقام عنده. لم ير أن الحكم منصفا. لذا ردَّه وأبى الامتثال له، وكان متأولا .. كانت له وجهة نظر ـ بلغة القوم ـ.وما صرَّح إبليس بأنه يريد الكفر. بل رد الأمر بتأويل (10).
ولا يتعارض العقل الصحيح مع النص الصريح، ولشيخ الإسلام ومشهور في ذلك (درء تعارض العقل والنقل) لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله.
الثالثة: في الدليل والاستدلال
يعمل العقل في طلب الدليل على الحكم، أو في الحكم على الدليل هل هو صحيح أم غير صحيح؟ إن كان من أهل العلم، ويعمل في دلالة الدليل على المراد منه، وفي الاستدلال به هل هو صحيح أم لا؟.
تقول: الحركة الكثيرة تبطل الصلاة.
فيجيب ما دليلك؟!
فتقول كذا.
فيجيبك معارضاً بدليل آخر، أو ناقضاً للدلالة، أو ناقضاً لاستدلالك بالحديث معرضاً بعقلك أو بعلمك. أو معرضاً عنك ذاكراً لما يريد.
وهنا ما ورد من خلاف بين أهل الفقه. في تحقيق المناط، في فهم الدليل في مراتب الأدلة،.
وعباس العقاد بعيد عن هذا كله، الذي يتكلم عنه العقاد هو الهوى. الذي يعمل في الدليل ليأتي به على هواه. العقل الذي يتكلم عنه عباس وغيره هو الهوى.
قال الله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:18] (فأصحاب العقول هم أهل الدين الصحيح، وأهل الدين هم أصحاب العقول، ولهذا كان السلف لا يسمون المخالفين بالعقلانيين بل كانوا يسمونهم بأهل الأهواء.) (11)
وإن تتبعت هؤلاء العقلانيين .. المفكرين .. المستعظمين لعقولهم، ومنهم عباس العقاد، تجد أنهم يملكون ثوابت ويأتون للدليل فقط ليحملوه على القول بما يذهبون إليه، فهم يعتقدون ثم يستدلون، وهذا مذهب أهل الهوى، أما أهل الحق فإنهم ينظرون للدليل بتجرد .. ثم هم مع ما يمليه عليهم (12). وقد رأينا عباس العقاد كيف يستدل بالضعيف ويترك الصحيح، وكيف يركب الكذب وصولاً إلى ما يريد، وكيف أنه يأخذ النصارى بقولهم وهو شاهد على باطله وهو يعلم أن القرآن الكريم يخطئهم في قولهم. وكيف يعرض عن قول من نصحوه بل ويُعرِّض بهم. إنه هوى في النفوس يسير صاحبها بين الأدلة يمنة ويسرة .. يحتال حتى يصل لمراده. وهؤلاء هم أهل الهوى.
الانفراد بالنص
يؤكد العقاد على الثورة على الأسلاف، وعلى الاستقلال عنهم، وما كان لنا أن نقول بهذا. وما كان له أن يقول بأن تعظيم السلف نوع من العبادة والتقديس لهم، أو نوع من الخطر الداهم الذي يأكل الدين!! بل هو الدين.
وكلام العقاد عام عائم، وظني أن القضية مشوشة عنده، والثابت فقط هو أن الرجل يبحث عن استقلالية العقل (كل عقل) في فهمه لنصوص الشريعة دون الخضوع لفهم الجيل الأول أو غيره.
وهذه قضية محورية عند الجميع يصلون إليها من عدة طرق، بعضهم عن طريق التشكيك في السنة النبوية، وبعضهم عن طريق تقسيم السنة النبوية إلى تشريعية وغير تشريعية، وبعضهم عن طريق ذم الصحابة والتابعين ومن حمى الله بهم هذا الدين .. المهم أنها قضية محورية. يمكن التعبير عنها بـ (الانفراد بالنص).
وأريد معالجة هذا الأمر تحت العنوان التالي:
دلالة أخرى لمعنى النص:
اصطلح على أن تطلق لفظة (النّص) على منطوق الوحيين الكتاب والسنة الصحيحة. وهذا الأمر فيه نظر.
إذ أن منطوق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لا يمكن بحال أن ينفصل عن سياق عام يشمل فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعل الصحابة رضوان الله عليهم، أو قل سبب نزول (النص) وكيفية امتثال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته (للنص).
فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يبلغنا فقط منطوق القرآن الكريم ـ الذي يقال عنه النص في عرف القوم ـ وإنما بلغنا القرآن ومراد الله من كلامه، وهذا هو معنى البلاغ المبين المذكور في سبع مواضع من كتاب الله قال تعالى:
(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (المائدة: 92)
وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (التغابن: 12)
¥