وقال في أول «الفتوى الحموية الكبرى»: فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره , وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها , ثم عامة كلام الصحابة والتابعين , ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص أو ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى , وهو فوق كل شيء , وأنه فوق العرش , وأنه فوق السماء ثم ذكر الأدلة على ذلك من القرآن , ثم قال: وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بكلفة – وذكر عدة أحاديث في ذلك وقال بعد ذكرها – إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلا الله مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علماً يقيناً من ابلغ العلوم الضرورية أن الرسول صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين – أن الله سبحانه على العرش , وأنه فوق السماء كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته. ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفاً. ثم ليس في كتاب الله , ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من سلف الأمة لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان , ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف – حرف واحد يخالف ذلك. لا نصاً ولا ظاهراً. انتهى.
وفي كتب شيخ الإسلام وفتاويه من كلامه وما نقله عن أكابر العلماء في إثبات علو الرب على خلقه , وأنه سبحانه مستو على عرشه , بائن من خلقه , وتقرير ذلك بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع شيء كثير جداً. وقد ذكرت جملة منه فيما تقدم. وأما كلامه في المعية , وقوله إنها معية العلم فهو كثير أيضاً , وقد نقل أقوال بعض الذين حكوا الإجماع على ذلك في مواضع كثيرة من كتبه وفتاويه , وقد ذكرت بعض نقوله عنهم فيما تقدم فلتراجع ففيها أبلغ رد على من وعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية.
وقد ذكر في «الفتوى الحموية الكبرى» عن سلف الأمة وأئمتها أئمة أهل العلم والدين
من شيوخ العلم والعبادة أنهم أثبتوا أن الله فوق سمواته على عرشه , بائن من خلقه وهم بائنون منه. وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه , ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية , وهو أيضاً قريب مجيب. ففي آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم. انتهى. وذكر في «شرح حديث النزول» قول الله تعالى في سورة الحديد: ? وهو معكم أينما كنتم ? وقوله تعالى في سورة المجادلة: ? ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ? ثم قال: وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه. وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان , ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله , وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم.
ثم ذكر ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ? وهو معكم ? قال: هو على العرش وعلمه معهم , قال: روى عن سفيان الثوري أنه قال: علمه معهم , وروى أيضاً عن الضحاك بن مزاحم في قوله: ? ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ? إلى قوله: ? أينما كانوا ? قال: هو على العرش وعلمه معهم. ورواه بإسناد آخر عن مقاتل ابن حيان. وهو ثقة في التفسير ليس بمجروح كما جرح مقاتل بن سليمان. وذكر أيضاً ما رواه عبد الله بن أحمد عن الضحاك في قوله تعالى: ? ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ? قال: هو على العرش , وعلمه معهم , وروى أيضاً عن سفيان الثوري في قوله: ? وهو معكم أينما كنتم ? قال علمه. وذكر أيضاً ما رواه حنبل بن إسحاق في كتاب «السنة» قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما معنى قوله تعالى: ? وهو معكم أينما كنتم ? و: ? ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ? إلى قوله: ? إلا هو معهم أينما كانوا ? قال: علمه , عالم الغيب والشهادة , محيط بكل شيء , شاهد علام الغيوب , يعلم الغيب , ربنا على العرش بلا حد ولا صفة , وسع كرسيه السموات والأرض.
¥