أن تكون التماثيل من القوة والإحكام بحيث يعجزون عن هدمها وإزالتها، مثل تلك التماثيل الهائلة المنحوتة في الجبال والصخور بحيث لا يستطيعون إزالتها أو تغييرها، وقد ذكر ابن خلدون في [المقدمة] [ص 383] أن الهياكل العظيمة جداً لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، بل تتم في أزمنة متعاقبة، حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان، قال [لذلك نجد آثاراً كثيرة من المباني العظيمة تعجز الدول عن هدمها وتخريبها، مع أن الهدم أيسر من البناء] ثم مثل على ذلك بمثالين:
الأول: أن الرشيد عزم على هدم [إيوان كسرى] فشرع في ذلك وجمع الأيدي واتخذ الفؤوس وحماه بالنار وصب عليه الخل حتى أدركه العجز.
الثاني: أن المأمون أراد أن يهدم [الأهرام] في [مصر] فجمع الفعلة ولم يقدر.
القسم الثالث:
أن تكون التماثيل مطمورة تحت الأرض أو مغمورة بالرمال ولم تظهر إلا بعد انتهاء زمن الفتوحات، وهذا مثل كثير من آثار الفراعنة في [مصر]، فمعبد [أبو سمبل] مثلاً في [مصر] –وهو من أكبر معابد الفراعنة – كان مغموراً بالرمال مع تماثيله وأصنامه إلى ما قبل قرن ونصف القرن تقريباً، وأكثر الأصنام الموجودة في المتاحف المصرية في هذا الوقت لم تكتشف إلا قريباً،وقد ذكر المقريزي [ت845] في [الخطط] 1/ 122 أن أبا الهول مغمور تحت الرمال - في وقته – لم يظهر منه إلا الرأس والعنق فقط دون الباقي –بخلافه اليوم-، وسئل الزركلي -[شبه جزيرة العرب] 4/ 1188 - عن الأهرام وأبي الهول ونحوها: هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟! فقال: كان أكثرها مغموراً بالرمال ولا سيما أبا الهول.
لهذا فلا يصح مطلقاً نسبة ترك هذه التماثيل إلى خير القرون رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنهم من أحرص الناس على إقامة التوحيد وشعائره، وإزالة الشرك ومظاهره.
الشبهة الثانية شبهة أن المحرم من التماثيل ما كان يعبد من دون الله فقط وهذا باطل قطعاً من وجوه:
الوجه الأول:
ما سبق ذكره وبيانه في الفصل الثاني من الباب الأول من أن النصوص المحرمة للتماثيل عامة تشمل جميع التماثيل المتخذ للعبادة أو لغيره وأن عموم هذه النصوص يرجع إلى اللفظ وإلى المعنى، فمن خص شيئاً منها فعليه بالدليل المخصص-فتراجع الأدلة هناك-.
الوجه الثاني:
أنه لو سلم هذا الأمر؛ فإن سد الذرائع أصل من أصول الإسلام ولاسيما في باب التوحيد وحماية جنابه، فتحرم هذه الأصنام من باب سد الذرائع.
الوجه الثالث:
مارواه الترمذي - وصححه -، وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: [أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي بالباب فليقطع فليصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن، ومر بالكلب فيخرج ففعل رسول الله].
فإن جبريل أمر الرسول بقطع رأس التمثال الذي في بيته، وهل يقول قائل: إن هذا التمثال الذي في بيت [سيد ولد آدم] كان للعبادة؟؟؟!!!!
فمن قال ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه –والعياذ بالله-، فلم يبق إلا أن التمثال أياً كان مأمور بإزالته وكسره.
الوجه الرابع:
أن تماثيل [بوذا] التي تباكى عليها علماء الضلالة إنما هي أصنام تعبد من دون الله، ويعبدها [البوذيون] في العالم فإنهم يؤلهون [بوذا] ويصلون له، ويدين بالديانة البوذية أكثر من ستمائة مليون في العالم، وينتشرون في الصين واليابان ونيبال والهند وسيلان وغيرها -[الموسوعة الميسرة] 2/ 772 - ، ولا أدل على تقديسهم لأصنام [بوذا] وعبادتهم لها من غضبهم من هدمها، بل وتمزيقهم للمصحف ثأراً لمعبودهم –عليهم لعائن الله المتتابعة -
فهذه الأصنام على مقتضى كلام علماء الضلالة أيضاً يجب إزالتها وهدمها لأنها تعبد من دون الله تعالى، وهم قد ذكروا أنه لا يحرم في الإسلام إلا ما اتخذ للعبادة.
الشبهة الثالثة شبهة أن المصلحة تقتضي ترك هذه التماثيل
وأصحاب المصلحة هؤلاء على قسمين:
¥