الدليل العاشر: قال مسلم حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، - قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: - حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته " وحدثنيه أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدثنا يحيى وهو القطان، حدثنا سفيان، حدثني حبيب، بهذا الإسناد، وقال: ولا صورة إلا طمستها.
فهذا علي رضي الله عنه بعث أبا الهياج الأسدي و أمره بطمس الصور كلها و هذا الفهم من علي رضي الله عنه فهمه من النبي صلى الله عليه و سلم و عمل به و لم ينكر النبي صلى الله عليه و سلم هذا الفهم و لو أنه أخطأ الفهم و العمل لما تركه صلى الله عليه و سلم على خطأه بل يجب عليه أن يبين له خطأه فترك البيان عند وقت الحاجة لا يجوز بالإجماع.
الدليل الحادي عشر: عن الليث، قال: دخلت على سالم بن عبد الله وهو متكئ على وسادة حمراء , فيها تصاوير , قال: فقلت: أليس هذا يكره؟. فقال: لا , إنما يكره ما يعلق منه , وما نصب من التماثيل , وأما ما وطئ , فلا بأس به. قال: ثم حدثني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة حتى ينفخوا فيها الروح , يقال لهم أحيوا ما خلقتم " أخرجه الطحاوي و إسناده صحيح.
فسالم بن عبد الله بن عمر علل تحريم الصور بالتعليق و النصب و هذا عينه ما هو واقع في إيوان كسرى و في غيرها مما تركه الصحابة و لم يهدموه.
و الآن بعد ذكر هذه الأدلة الصحيحة و فهم الصحابة لها ألا يحق لنا أن نقول بأن هذا هو المحكم الذي يجب الرجوع و أن ما ناقضه فهو المتشابه الذي يجب إرجاعه إلى هذا المحكم.
و أن من ترك هذا المحكم محكوم عليه بالزيع و الضلال.
و فعل الصحابة الذي احتج به الأمين يدخل فيه كثير من الإحتمالات و قد أورد الإخوة عدة احتمالات بعضها منقول عن أهل الدراية و المعرفة بالتاريخ و الأصل أن الدليل متى ما تطرقه له الإحتمال سقط الإستدلال به هذا إذا لم يعارضه شئ فكيف إذا عارضه ما ذكرنا من أدلة أليس من أعظم الخطأ عندها نصب الخلاف في هذه المسألة و هي من الواضحات.
ثم يقال أن ما احتج به من ترك التماثيل هو فعل للصحابه و قد نقلنا أقوال بعض الصحابة و عملهم بالعمل بالعموم و الأصل أن القول أقوى من الفعل فيقدم عليه فكيف إذا اجتمع القول و الفعل و قد نقلنا أقوال الصحابة في تحريم التماثيل على العموم إلا ما خصه الدليل و هذه الأقوال مطابقة تماما لأحاديث النبي صلى الله عليه و سلم فكيف يقدم الفعل العاري من الدليل على القول المسنود بالدليل المستفيض المتلقى من الأمة بالقبول.
ثم إذا كان فعل النبي صلى الله عليه و سلم لا يدل على العموم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( ... وكثيرًا ما يعدل الرجل عن الأفضل إلى الفاضل؛ لما في الأفضل من الموانع، وما يفتقر إليه من الشروط، أو لعدم الباعث، وإذا كان فعله جائزًا، أو مستحبًا، أو أفضل فإنه لا عموم له في جميع الصور، بل لا يتعدى حكمه إلا إلى ما هو مثله، فإن هذا شأن جميع الأفعال لا عموم لها، حتى فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا عموم له).
فإذا كان فعل النبي صلى الله عليه و سلم لا عموم له فمن باب أولى فعل غيره و ليس المراد أنه لا عموم له أنه لا يحتج به بل يحتج به على حسب الصورة التي وردت عليه لا يعمم في كل صورة لذا قال شيخ الإسلام رحمه الله (فإنه لا عموم له في جميع الصور، بل لا يتعدى حكمه إلا إلى ما هو مثله .... ) ففعل الصحابة رضوان الله عليهم إنما يحتج به على حسب الصورة التي وقع فيها الفعل لا يعمم في كل فعل كما احتج به الأخ الفاضل محمد الأمين على ترك التماثيل التي لا تعبد من دون الله.
ثم إن هذه حوادث أعيان لا عموم لها فهي حكمها كما ذكرنا في الفعل تلتزم فقط الصورة التي نقلت عن الصحابة فيها لا تعمم في كل صورة.
و الله أعلم.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[14 - 06 - 04, 11:22 ص]ـ
و أما قول الأخ (لم أترك أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة رضوان الله عليهم فعلوا. ولكنهم فهموا النصوص بغير ما تفهمها أنت! والصحابة هم الذين رووا لنا تلك الأحاديث. وهم الذين قيلت لهم. ففهمهم مقدم عند التعارض.).
فهذا الأصل محله فيما إذا عمل الصحابه بحديث إذا استوت معانيه بحيث لا يترجح للناظر منى معين منها او عملوا بخلاف ظاهر الحديث إذا لم يقطع بالمعنى الظاهر.
و مسألتنا هذه لا تدخل في هذا الأصل لعدة أسباب:
الأول: أن المعنى في طمس الصور مقطوع به و الأحاديث كما هو واضح من الدة التي ذكرته في المشاركات السابقه.
الثاني: أن فهم الصحابة و عملهم يدل أنهم فهموا الأحاديث على العموم إلا ما خصه الدليل.
الثالث: حقيقة أنه ليس هنا تعارض يين فعلي الصحابة رضوان الله عليهم فكل فعل له وجهه فالأحدايث و ما و افقها من قول و عمل الصحابة يدل على العموم و ترك الصحابة للصور و عدم طمسها لهم معنى آخر و ملابسات أخرى.
فهذه الصور تترك في بعض الأحوال لأن العمل بالمأمور مناط بالقدرة عليه فمتى لم يقدر عليه سقط الوجوب في هذه الحالة.
و أما إذا وجدت القدرة فلا يجوز تركها لحظة واحدة و كان النبي صلى الله عليه و سلم يحطم الأصنام و يمحي الصور و يأمر بشق الوسائد المصورة و إهانتها.
ففي مثل هذه الحال لا يقال بأن ترك الصحابه لهذه الصور هو المراد بمعنى أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم فهذا الفهم لا يمت لأحاديث النبي صلى الله عليه و سلم لا لفظا و لا معنى فكيف يجعل هو المراد من هذه الأحاديث.
.
¥