والجرح و التعديل يقعان على وجهين: أحدهما التصريح، والثاني الضمن، وسكوت الحفاظ عن راو مجهول باشروا معه الرواية يعد تعديلا ضمنيا لهذا الراوي.
ثانيا: ألا تزول الجهالة برواية الثقة عنه، وقد سماه وذكر كنيته، كهمام بن يحي المحلمي، فإنه إمام حجة،جرحه يحي بن سعيد بما لا يقبل في مثل همام، وقد قالوا:" إن رواية العدل عن مجهول تعديل له، وفرقوا بين المجهول الذي عرف اسمه وكنيته وبين المبهم.
و أما ما اشترطه بعضهم، من أن يروي عنه اثنان فصاعدا،مخالفة لما ذهب إليه ابن حبان وشيخه ابن خزيمة من ارتفاع الجهالة برواية الواحد فليس على إطلاقه، فإن كثيرا من الأئمة يبنون على ما ذهب إليه ابن حبان وشيخه بالتفصيل الذي سقناه سابقا.
وذلك أن مجهول العين قد يروي عنه ثقة لا يعرف بالأخذ عن الضعفاء والمتروكين، فيمكن القول بأن مثل هذا المجهول قد عرفت صفته، خاصة إذا وافق روايته تابع أو شاهد صحيح كفتاوى الصحابة وأثارهم، كما اشترط ذلك الشافعي ـ رحمه الله ـ في مرسل التابعي.
بينما قد يروي عن مجهول آخر راويان فأكثر، لكن ممن لا يحترز من الرواية عن المتهمين والمتروكين، فهذا قد ارتفعت عنه جهالة العين بما لا يجدي نفعا، لبقاء صفته مجهولة.
و قد اختلف أهل الحديث في رواية الثقة عن رجل غير معروف، فمنهم من عده تعديلا، ومنهم من لم يقبله، على أنه باستقراء كلامهم في المسألة نجد أنهم على تفصيل فيها:
قال ابن رجب في"شرح العلل" {ص:79}:"والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عرف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة فروايته عن إنسان تعديل له، ومن لم يعرف منه ذلك فليس بتعديل".
و هذا القول من الإمام أحمد من أجمع الأقوال و أعدلها، يدل عليه عمل كبار المحدثين إذا ما أضيف إليه طريقتهم في سبر حديث الراوي، واستقراء مظان الرواية، وملابسات السماع و الأداء.
فممن جعل الإمام احمد روايتهم عن مجهول تعديلا له: عبد الرحمان بن مهدي، وشعبة، ومالك بن أنس، وقيّد القاضي إسماعيل بن إسحاق بخصوص مالك أن يكون المروي عنهم من أهل بلده.
وزاد على قول الإمام أحمد يحي بن معين فذكر محمد بن سيرين والشعبي.
قال ابن رجب:" هذا تفصيل حسن"
ويوضح هذا ما قاله العلماء من أن رواية العدل مقبولة،ورواية الفاسق مردودة، ورواية المجهول موقوفة إلى استبانة حالته، و بالسبر تستبين حالته، فإذا روى لنا مجهول حديثا ثبت من طرق أخرى علمنا أنه قد صدق، وجزمنا بعدالته و ضبطه في هذه الرواية،و إن كثر ذلك منه علمنا ثقته مطلقا.
هذا هو الضابط في رفع الجهالة، فإنها ترفع نسبيا بالرواية الواحدة المستقيمة، وكلية بتعدد مثل هذه الروايات، لا باشتراط العدد مطلقا فيمن أخذ عنه.
وحديث شقيق هذا لم يعله المتقدمون بجهالة شقيق ـ وهم القضاة في الجرح والتعديل ـ وقد رواه شريك موصولا، وله شواهد من أحاديث موقوفة و آثار صحيحة كما ورد من ثلاث طرق:
1 ـ طريق همام بن يحي عن شقيق أبي ليث.
2 ـ طريق محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه بلفظ:" فلما سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه".
أخرجها أبو داود في "السنن" {524/ 1}،والبيهقي في"السنن" {98/ 2}.
3 ـ من طريق سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
أخرجها الطحاوي في"شرح معاني الآثار" {255/ 1}،وقال:"كذا قال ابن أبي داود من حفظه: سفيان الثوري، وقد غلط و الصواب شقيق وهو أبو ليث.
قلت: هذا مجرد ظن الطحاوي فإن ورودها من الطريق الثانية ليس بأمكن من ورودها من هذه الطريق ويبقى كلامه مجرد احتمال.
قال الترمذي في " السنن" {57/ 2}:" وروى همام عن عاصم هذا مرسلا، ولم يذكر فيه و ائل ابن حجر".
قال البيهقي {92/ 2}:" و إنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين"
وقال الحازمي في " الاعتبار" {123}:" إنه مرسل وهو المحفوظ"
فهذه كلها قرائن تشهد باستقامة حديث شقيق كحديث مرسل.
ثالثا: قد جرى إلى هذا المسلك الشيخ الألباني عندما تكلم عن رواة حديث العجن، ومنهم: الهيثم بن عمران العبسي، واعتمد على توثيق ابن حبان له، بناء على أنه قد روى عنه خمسة من الرواة.
وذكر كلام الذهبي في ترجمة مالك بن الخير الزبادي بقوله:" محله الصدق" وروى عنه حيوة بن شريح، وابن وهب، وزيد بن حبان، ورشدين، قال ابن القطان:" هو ممن لم تثبت عدالته".
¥