قال الألباني متأولا:" يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة،والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح".
قلت: كلمة " جماعة" تدل على العدد , واشتراط العدد في التعديل مما لا يحتفل به، وقد ثبت أن أصل الرواية لا يعتبر فيه العدد، فلا معنى لاشتراطه في الجرح والتعديل، وإذا قبل جرح الواحد قبل تعديله.
و إنما المعتمد في قبول رواية المجهول ثقة من يروي عنه، واشتهار الرواية، فما الفرق بين خمسة و أربعة، و أربعة و ثلاثة، وثلاثة و اثنان، واثنان وواحد إلا الاستئناس بالعدد، و إلا فإن الثقة هي الأصل، والواحد قد يعدل جماعة بحالها.
ومن علامة ضعف الأقوال الأصولية والحديثية حصرها في عدد لم يدل عليه الشرع و العقل.
و عليه فما اشترطه بعض المتأخرين من رواية رجلين أو خمسة أو جماعة، فإنه منتقض عليهم عقلا ونقلا:
فالراويان عن المجهول إما أن يكونا ثقتين وعندئذ فإن أحدهما يكفي ويغني عن الآخر،الذي وجوده لا يفيد إلا زيادة التوثيق، وزيادة التوثيق أمر نسبي، فرجعت هذه الحال كما لو كان أحدهما ثقة و الآخر غير ذلك.
و إن لم يكونا ثقتين بقت صفة المجهول مجهولة، فلا حجة في العدد، إنما هو السبر و التحقيق.
أما نقلا، فقد ذكر ابن رجب في " شرح العلل" {80} أن المتأخرين أخذوا هذا عن محمد بن يحي الذهلي.
وينقضه أن علي بن المديني اشترط في مواطن أكثر من ذلك، فإنه قال فيمن روى عنه يحي بن أبي كثير، وزيد بن أسلم معا: "إنه مجهول".
وقال فيمن روى عنه ابن المبارك ووكيع و عاصم: "هو معروف".
و قال فيمن روى عنه المقبري و زيد بن أسلم:" معروف".
ففي المثال الأول لم يقبل رواية ثقتين، وفي الثاني لم يقبل رواية الواحد الثقة، وفي الثالث و الرابع قبل رواية ثقتين و ثلاثة.
وقال فيمن روى عنه مالك و ابن عيينة: "معروف".
أما من روى عنه ضعيفان فيقول عنه::ليس بالمشهور"، كما قال فيمن روى عنه عبد الحميد بن جعفر وابن لهيعة.
و قسم المجهولين من شيوخ أبي إسحاق إلى طبقات متعددة.
فبتتبع هذه الأمثلة نجده يوثق برواية الثقات الذين يتحرون الرواية، والذين يميزون بين صدق الراوي و كذبه.
قال ابن رجب:" و الظاهر أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء، وكثرة حديثه ونحو ذلك، ولا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه، فقد قال في داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص: ليس بالمشهور، مع أنه روى عنه جماعة، وكذلك قال في إسحاق بن أسيد الخراساني."
و الشيء نفسه فعله الإمام أحمد مع حصين بن عبد الرحمان الحارثي، وعبد الرحمان بن وعلة، وصحح أحمد حديث خالد بن عمير، ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان {شرح العلل} {79،80،81}.
هذا هو صنيع الأئمة المتقدمين، وهو على خلاف صنيع بعض المتأخرين ممن اشترط الرواية بالعدد في كل حال.
وقد أخرج البخاري و مسلم لجماعة من الرواة، لم يرو عنهم إلا الواحد من طبقة الصحابة وطبقة التابعين، ذكره ابن الصلاح وغير واحد.
قال ابن رجب في " شرح العلل" {ص:82}:" وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة و إنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات"
ولقد اهتم المحدثون بهؤلاء الرواة و سموا رواياتهم {رواية الوحدان} قال ابن حجر:" فممن جمعه مسلم و الحسن بن سفيان وغيرهما".
قلت: كتاب مسلم طبع في الهند حيدر آباد سنة 1323 هـ ذكره الميس في " مقدمة صحيح مسلم" {29/ 1}.
و الحافظ ابن حجر يقول في " لسان الميزان" فيمن وثقهم ابن حبان ممن روى عنه الواحد و الاثنان:"مستور أو مقبول" ولم يشترط الجماعة.
الطريق الرابعة:
و أما الطريق الرابعة من طرقنا الرئيسية فعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم:" كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه وكبر ثم التحف بثوبه ووضع اليمنى على اليسرى فإذا أراد أن يركع قال هكذا بثوبه و أخرج يديه ثم رفعهما وكبر فلما أراد أن يسجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن تقعا كفاه فلما سجد وضع جبهته بين كفيه و جافى عن إبطيه"سبق تخريجه.
قال الشيخ ناصر:"أعلوه بالانقطاع بين عبد الجبار بن وائل و أبيه، وقالوا: إنه لم يسمع منه شيئا، قال الذهبي: صح عن عبد الجبار أنه قال: كنت صغيرا لا أعقل صلاة أبي" {الضعيفة {330/ 2}، {صفة الصلاة {ص:100}.
أقول: قال ابن حجر في" التقريب" عن عبد الجبار بن وائل: ثقة كان يرسل عن أبيه".
¥