تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الخطيب في " الكفاية" {476}:" ويرجح بأن يطابق أحد المتعارضين عمل الأمة بموجبه لجواز أن تكون عملت بذلك لأجله، ولم تعمل بموجب الآخر لعلة فيه"

وحديث شريك هو كذلك، أكثر الأمة على العمل به، الحنفية و الشافعية و الحنابلة، وقال به من الأئمة و السلف: عمر و ابنه عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وأصحابه، ومسلم بن يسار، و إبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وقتادة، وأبو قلابة، وأبو حنيفة و أهل الكوفة قاطبة، و الشافعي، و أحمد، وإسحاق بن راهوية، و الخطابي، و ابن المنذر، وسفيان الثوري، و ابن خزيمة، و ابن حبان، و الترمذي وغيرهم كثير.

أما القول الآخر فذهب إليه الإمام مالك و الأوزاعي و لكنهما لم يذكرا حديثا ولا أثرا، بل قد خير الإمام مالك في رواية أخرى، فصار حديث شريك قد عملت به الأمة حتى من المعارضين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " المجموع" {252/ 13}:" إن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضنون المنقول، لكن هذا ينتفع به كثيرا في أحوال الناقلين، وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول، وسيء الحفظ، و الحديث المرسل ونحو ذلك."

أما ما قاله الشيخ الفاضل صاحب رسالة " نهي الصحبة" حين طرح على نفسه سؤالا حول تقوية حديث شريك بمجموع الطرق قائلا:

"ألا ليت، غير أن القواعد التي وضعها أهل الحديث ـ رضي الله عنهم ـ لا تعين على مثل ذلك، فالحديث كي يتقوى لابد أن يكون الضعف غير شديد كما هو الحال في شريك، ويكون متابعه أخف منه ضعفا أو مثله على أقل تقدير، أو يكون شاهده قويا، وهاتان الحالتان مفقودتان هنا، أما الأول فإنه لا متابع لشريك أصلا، و أما ثانيا: فشواهد الحديث بعضها أشد وهنا من البعض الآخر."

قلت: علينا جميعا الاحتراس من أن تقعد بن القواعد عن إدراك المعاني، فإن قواعد علم الحديث ليست معادلات رياضية أو قوالب نقيس بها الأحاديث، و إنما نأخذ منها المقاصد لا مجرد الألفاظ، فإن المحدثين بقاعدتهم في التعضيد أرادوا استبعاد تكرار الخطأ، والتواطؤ على الكذب.

وحديث شريك ـ بما مر عليك من تحقيق دقيق ـ بمجموع طرقه سالم من ذلك، أو ليس همام بن يحي، وعبد الجبار بن وائل متابعين لشريك وهما أقوى منه؟

ثم من أين للشيخ أن الضعف في شريك شديد ولم يترجمه كما ينبغي؟ ولا كان منصفا في ترجمته؟ ولا متقيدا بضوابط الجرح والتعديل؟

والذين تابع بهم البخاري و مسلم و الإمام احمد وغيرهم هل كانوا أقوى من رواة الأصل؟

قال أبو الحسن بن القطان في كتابه " بيان الوهم والإيهام" حول تقوية الحديث الضعيف والمنقطع إذا اعتضد:"إن هذا القسم لا يحتج به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح أو ظاهر القرآن " نقله ابن حجر في " النكت" {402/ 1} وقال:" هذا حسن قوي رايق ما أظن منصفا يأباه".

أما بخصوص المتابع في حد ذاته، فقال ابن حجر في " النكت" {420/ 1}:" إن الحديث الذي يروى بإسناد حسن لا يخلوا إما أن يكون فردا أو له متابع.

الثاني: لا يخل المتابع إما أن يكون دونه أو مثله أو فوقه، فإن كان دونه فإنه لا يرقيه عن درجته، نعم قد يفيده إذا كان عن غير متهم بالكذب قوة ما يرجح بها لو عارضه حسن آخر بإسناد غريب، و إذا كان مثله أو فوقه فكل منهما يرقيه إلى درجة الصحة"

و إذا تركنا المصطلح النظري و تفحصنا الصحيحين و السنن فستجد عمليا نوع المتابعين فيها.

و أما قوله" لا يعارض مرفوع بموقوف" فدندنة لا تغني في هذا الموضع،وهي من أقوال الأصوليين النظار التي أكثر من استعمالها الشوكاني بناء على أصله في إنكار فتوى الصحابة، وقد أخذها بعض المعاصرين منه ولم يقيدها بمظانها،ففاتتهم بعض السنن، لأن أهل الحديث من الفقهاء كتبهم تعج بخلاف ذلك على تفصيل ليس هذا موضعه.

لذلك نقول: إننا بصدد الاستشهاد بها للحديث المرفوع لا معارضة حديثك بها، فهي لاعتضاد وليست للاعتماد، فإذا قوي بها حديث شريك عرضنا به حديثك المضطرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير