تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

6 ـ إن هذه المسألة التي الأدلة عليها متعارضة يمكن معرفة ملابستها بالنظر في فتاوى التابعين و أعمالهم، ذلك أن بعض ما بلغ التابعين وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول،أو بإسناد منقطع، أو برواية سيء الحفظ،كما ذكره شيخ الإسلام في "رفع الملام" {133/ 20}.

لذلك كان التابعون أعلم ممن جاء بعدهم، لأنه ليس بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصحابة، فعلمهم في الصدور وحاجتهم إلى الإسناد تكاد تكون منعدمة بخلاف أحوال من جاء بعدهم، ممن دينهم مرتبط بالسند ارتباطا تاما.

ولهذه الأسباب كانت أصول السنة في المنهج السلفي هي الآثار، و ما كان عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة، لا يفرقون بين العقائد و الأحكام كما هو مشهور عنهم.

فهل ثبت عن التابعين الإهواء على اليدين؟

الذي ثبت عن التابعين الإهواء بالركب، ثبت عن إبراهيم النخعي، وعلقمة و الأسود، ومسلم بن يسار، ومحمد بن سيرين، و قتادة، و أبي قلابة، وهؤلاء ما منهم أحد إلا و قد لقي جما غفيرا من الصحابة، واخذ عنهم العلم، فالرجوع إليهم في تحرير محل النزاع، واعتبار ما ثبت عنهم قرائن ترجيحية رجوع إلى فقه السلف الصالح وسيلة ومقصدا.

جاء في صحيح البخاري عن أيوب عن أبي قلابة، قال:" جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا، قال: إني لأصلي لكم وما أريد الصلاة، أصلي كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم "فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ قال: مثل شيخنا هذا، قال: وكان الشيخ يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى".

فهذا الصحابي الجليل كان حريصا على تعليم المسلمين صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولاشك أن أبا قلابة الذي روى عنه الحديث قد تعلم منه هو الآخر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولاشك أنه رأى كيف كان إهواء مالك بن الحويرث، ولو رآه يهوي على يديه لكان يستفسر ه عن ذلك، لأن الذي ثبت عن أبي قلابة الإهواء على الركب.

ولسنا نحن جميعا بدون استثناء بأحرص على معرفة الدين من أبي قلابة، و أمثاله من التابعين.

وعليه، نقول: إن لم يكن فعل التابعين حجة في نفسه، فإنه إذا ألحق به فعل الصحابة كان ذلك من أقوى الأدلة على صحة حديث شريك، فتنبه لهذا و اتخذه قاعدة في فقهك، فإنه عمدة طريقة المحدثين ومنهجهم في الفقه، وهو خير من التمسك بأحاديث معلولة لا يدل عليها عمل جمهور السلف الصالح.

ملاحظة:

إن جواب الشيخ الألباني عندما تكلم عن رواية الأزرق بن قيس، وسؤاله أولاد ابن عمر عن اعتماده على الأرض بيديه، وقولهم: "هكذا يكون " لم يتناول جميع الاحتمالات الواردة.

ذلك أنهم ربما قصدوا أنه هكذا منذ كبر وطعن في السن، أو أنهم أولاده الذين أنجبهم عندما تقدم في العمر، فلم يشهدوا منه إلا ذلك.

و إلا فقولهم يجب حمله على ما ثبت عن ابن عمر تفصيلا، على أن أهم مافي هذه القصة هو استغراب الأزرق بن قيس لفعل ابن عمر، وطرحه السؤال، لو لم يكن يعلم عن الصحابة خلاف ذلك، وهو من التابعين، ولذلك قال لهم:" لعله يفعله عن كبر؟ "

وفي الأخير ومما لا يسعني ترك الإجابة عنه ما ذكره صاحب رسالة " نهي الصحبة" في تنبيهاته، فقد قال شريك بن عبد الله القاضي فيما نقله عنه الذهبي في " ميزان الاعتدال":" ترك الجواب في موضعه إذابة للقلب"

1 ـ فمما قاله في تنبيهاته، الخامس منها: قول ابن حزم بوجوب وضع اليدين قبل الركبتين: ومع انه لا يعتقده، وقد أبطله في مقدمة رسالته، وفي التنبيه السابع منها بنقله كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بجواز الأمرين؟

فإن كان ابن حزم أصاب الحق في قوله هذا، فإنه لا يسعه إلا أن يقول مثله، وإن كان قد أخطأ، لم يبق له عذر في نقل كلام لا يعتقده، ولا يعتمده، ويجعله تنبيها.

و إن كان ابن حزم ـ رحمه الله ـ جبلا شاهقا في الفقه و الحديث، إلا أن ظاهريته أحيانا عرجاء، فهو كثير الجزم في مسائل خلافية، ويدعي الإجماع على مسائل مختلف فيها، وهذا الجزم في مسائل مختلف فيها هو داء العصر، يجزم الناس على أقوال غاية ما قد يقال عنها: إنها أقوال ضمن أقوال أخرى،فتراهم يجزمون بأشباه أدلة ما إن تدبرته وجدته يخالف فقه السلف و هديهم، أو هو أحد أقوال السلف لا قول عامتهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير