فقال علي: من الشرك فرُّوا!
قال: المنافقون.
قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.
قال: فما هم؟
قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم.
قال: حدثنا إسحاق حدثنا وكيع عن أبي خالدة عن حكيم بن جابر قال: قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان: أمشركون هم؟
قال: من الشرك فروا.
قيل: فمنافقون؟
قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا.
قيل: فما هم؟
قال: قوم حاربونا فحاربناهم، وقاتلونا فقاتلناهم.
قلت: الحديث الأول وهذا الحديث = صريحان في أن علياً قال هذا القول في الخوارج الحرورية، أهل النهروان، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذمهم، والأمر بقتالهم، وهم يكفِّرون عثمان وعلياً، ومن تولاهما، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا، ودارهم دار كفر، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم.
قال الأشعرى وغيره: " أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ".
ومع هذا عليٌّ قاتلهم لما بدؤوه بالقتال، فقتلوا عبد الله بن خباب، وطلب علي منهم قاتله، فقالوا: كلُّنا قتله.
وأغاروا على ماشية الناس.
ولهذا قال فيهم: قوم قاتلونا فقاتلناهم وحاربونا فحاربناهم.
وقال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم.
وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء، فإنهم بغاة على جميع المسلمين، سوى من وافقهم على مذهبهم، وهم يبدؤون المسلمين بالقتال، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال، فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق.
فإن إولئك إنما مقصودهم المال، فلو أعطوه لم يقاتلوا، وإنما يتعرَّضون لبعض الناس، وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين، حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن.
ومع هذا فقد صرَّح علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بأنهم مؤمنون، ليسوا كفارا ولا منافقين.
وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه، يقولون: لا نكفِّر إلاّض من يكفِّر).
فإنَّ الكفر ليس حقا لهم، بل هو حق لله، وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب عليه، ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة لم يكن له أن يستكرهه على ذلك، ولو قتله بتجريع خمر، أو تلوط به لم يجز قتله بمثل ذلك؛ لأن هذا حرام لحق الله تعالى.
ولو سب النصارى نبينا لم يكن لنا أن نسبُّ المسيح.
والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر فليس لنا أن نكفر عليا.
وحديث أبي وائل يوافق ذينك الحديثين، فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضا.
وقد روى عنه في أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا.
قال إسحاق بن راهويه: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: سمع عليٌّ يوم الجمل أو يوم صفين رجلا يغلو في القول.
فقال: لا تقولوا إلا خيرا، إنما هم قوم زعموا، إنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم.
فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح فقال: ما كان أغناه عن ذلك.
وقال محمد بن نصر حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن خالد حدثنا محمد بن راشد عن مكحول: أنَّ أصحاب عليٍّ سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية، ما هم؟
قال: هم مؤمنون.
وبه قال أحمد بن خالد حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الواحد بن أبي عون قال: مرَّ عليٌّ وهو متَّكىءٌ على الأشتر على قتلى صفين، فإذا حابس اليماني مقتول، فقال الأشتر: إنا لله وإنا اليه راجعون، هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين، عليه علامة معاوية، أما والله لقد عهدته مؤمناً.
قال علي: والآن هو مؤمن.
قال: وكان حابس رجلا من أهل اليمن من أهل العبادة والاجتهاد.
قال محمد بن يحيى حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مختار بن نافع عن أبي مطر قال: قال علي: متى ينبعث أشقاها؟
قيل: من أشقاها؟
قال: الذي يقتلني.
فضربه ابن ملجم بالسيف، فوقع برأس علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -، وهمَّ المسلمون بقتله، فقال: لا تقتلوا الرجل، فإن برئت فالجروح قصاص، وإن مِتُّ فاقتلوه.
فقال: إنك ميت.
قال: وما يدريك قال كان سيفي مسموما.
¥