أ) - أن قبض الشيك كالحوالة، فإن من خصائصه أنه لا ينبغي أن يسحب إلا على من لديه مقابل وفائه، وأنه لا يلزم لاعتباره شيكا قبول المسحوب عليه وهذه خصائص الحوالة فيأخذ حكمها، وقد قال ابن قدامة: الحوالة كالقبض، وقال: الحوالة كالتسليم، وفي الشرح الكبير: الحوالة بمنزلة القبض. وقال المرداوي: الحوالة والإبراء منه كالقبض على الصحيح من المذهب، وقيل: إن جعلا وفاءً فكالقبض وإلا فلا.
ب) - أن قبض الشيك بمثابة قبض النقود في عرف الناس. وقد قال ابن قدامة: وقبض كل شيء بحسبه .. ولأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والقبض أهـ وفي الشرح الكبير: الأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع…وتارة باللغة .. وتارة بالعرف كالقبض والتفرق. وقال: القبض مرجعه إلى عرف الناس حيث لم يكن له حدٌ في اللغة ولا في الشرع.
ونوقش بأن اعتباره بمثابة النقود يبطل بما إذا لم يكن للساحب رصيد. وأجيب بان الضمانات التي أحيط بها تجعله محل ثقة كالنقود تماماً ومنها أن من كتب شيكا بلا رصيد يعاقب في جميع القوانين عقوبة شديدة وأنه غير مؤجل (أما لو أجل فلا يعتبر بمنزلة القبض) ثم إن ذلك حاصل في النقود فقد تكون مزيفة ولم يمنع ذلك من الثقة بها.
وأما قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (يدا بيد) فيراد به التعيين الذي تثبت به الحقوق كما يدل على ذلك حديث ابن عمر –رضي الله عنهما-: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم فقال –صلى الله عليه وسلم-: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها مالم تفترقا وبينكما شيء. رواه البيهقي. وبناءً عليه فالتعيين يكون قبضاً، فيكون القبض إما يدويا أو حسابياً.
وقد أصدر المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة قرارا جاء فيه: بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع مايلي:
أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.
ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه.
وقد أفتت اللجنة الدائمة بأنه يعتبر تسليم الشيك قبضاً كما في الحوالة. وسئلت اللجنة عن تسديد قيمة الذهب والفضة عن طريق الخصم من الحساب وإيداعه في حساب البائع بواسطة ما يسمى ببطاقة الائتمان فأجابت بما يلي: ما دام الحال أن جهاز نقاط البيع الذي بموجبه يخصم المبلغ حالاً من حساب المشتري المودع في المصرف المسحوب منه، ويحول حالاً إلى حساب البائع، وليس هناك عمولات لقاء هذا التحويل، فإن البيع بهذه الصفة له حكم التقابض في المجلس، فيجوز بيع الذهب بالعملة الورقية وتسديد الثمن بواسطة نقطة البيع المذكورة لتوفر الحلول والتقابض في مجلس العقد.
وأفتت لجنة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية بما يلي: القيد في الحسابات الجارية على ما هو معمولٌ به بصوره لا يمكن الرجوع فيها إلا بإرادة صاحب الحساب يعتبر من قبيل القبض، وهو قبضٌ حكماً بناءً على العرف الجاري في المعاملات المصرفية، لأن القبض ورد الشرع بالأمر به ولم يحدد كيفية معينة له.
وقال الشيخ ستر الجعيد: والشيكات السياحية يمكن أن تعتبر بمثابة النقود لا سيما وهي محاطة بضوابط بواسطتها يمكن حفظ الحق وعدم ضياعه، وهي في نفسها تقوم بوظائف النقود، فلا مانع من إلحاقها بها يعضد ذلك ما رجحنا من أن الشيك عامةً أصبح كالنقد، وإن إلحاقه به متوجه والشيكات أكثر إيغالاً في معنى النقدية من الشيكات عامة، وبالتالي فينطبق عليها ما سبق من وصف الورق النقدي في القول المختار.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.
المراجع:
1 - أبحاث في الاقتصاد المعاصر د/محمد عبداللطيف الفرفور ص141.
2 - بحوثٌ في الاقتصاد الإسلامي، للشيخ/ عبدالله بن منيع.
3 - أحكام الأوراق التجارية والنقدية د/ ستر الجعيد.
4 - استبدال النقود والعملات د/علي السالوس.
5 - مجلة المجمع عدد (6) ج1 ص451 - 772.
6 - قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ص99.
7 - أحكام صرف النقود والعملات د/ عباس الباز.
8 - مجموعة الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية. طبع وزارة الأوقاف الكويتية.
9 - فتاوى اللجنة الدائمة جمع الشيخ/ أحمد الدرويش.
10 - القبض، تعريفه، أقسامه، صوره، أحكامه. د/ سعود الثبيتي.
11 - نوازل فقهية معاصرة / لخالد سيف الله الرحماني.
12 - الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية د/ عمر المترك.
13 - تحديد قبض الشيك بحث للشيخ عبدالله بن منيع (مجلة البحوث الإسلامية العدد 26).
الحواشي:
2 - مختار الصحاح ص519
3 - والتخلية هي: أن يخلي البائع بين المبيع وبين المشتري برفع الحائل بينهما على وجهٍ يتمكن المشتري من التصرف فيه فيجعل البائع مسلماً للمبيع والمشتري قابضاً له. فالتخلية بين المبيع وبين المشتري قبض وإن لم يتم القبض حقيقةً فإذا هلك يهلك على المشتري بدائع الصنائع 5/ 244.
4 - عدا الوصية لأنها هبة مضافة إلى مابعد الموت، وهذا إذا اعتبرناها عقداً وإلا فلا حاجة للاستثناء.
- رواه أحمد 3/ 402. قال الشوكاني: في إسناد هذا الحديث: العلاء بن خالد الواسطي وقد اختلف فيه. وقال ابن حزم: فيه عبدالله بن عصمة متروك لكنه رواه من طريقٍ آخر وقال: إنه سند صحيح.
- رواه أبو داود 3/ 383 ورواه ابن حبان والحاكم وصححه. وقال الشوكاني: في إسناد هذا الحديث أحمد بن خالد الوهبي وقد قال فيه ابن حزم إنه مجهول.
- رواه البخاري 3/ 68 ومسلم 1/ 168.
- رواه البخار ي3/ 68
- المسند 1/ 11.
- رواه مسلم 1/ 171.
- رواه البخاري 3/ 68 ومسلم 1/ 170.
منقول ...