الثانية: عدُّها، و حدُّها، فما ليس محصوراً بعدد ليس منتهياً، و ما ليس منتهياً يصعبُ ضبطه، و الحدُّ هو التعريف للشيءِ، و ذلك كافٍ في بيان المراد.
الثالثة: قيودُ المسألة.
الرابعة: ذكرُ الاستثناءاتِ إن وُجِدَتْ.
و يُلحقُ ذلك و يُتمَّم بشيئين:
أولهما: ضَبطُ الجهاتِ عداً و نحوه.
ثانيهما: دليلُ المسألة، و الأدلةُ نوعانِ:
الأول: مُتفقٌ عليها، و هي: الكتابُ و السنةُ، و الإجماعُ و القياس _ على خلافٍ فيهما _.
الثاني: مُختلَفٌ فيها، و هي كثيرةٌ، و لكلِّ مذهبٍ مذهبُه في اعتبار الأدلة.
وَ بحْثُها منثورٌ في كُتُبِ أصولِ الفقهِ فَلْتُراجَع.
فائدة: هناك فرقٌ بين أمرين عند النظر في كتب الفقهاء و الأصوليين، و سائر علماء الإسلام:
الأول: مصدرُ التشريع، إذ ليس إلا الكتاب و السنة.
الثاني: أدلةُ التشريع، و هي مأخوذةٌ من المصدر التشريعي، و هي ما زاد عن ذَينك مما هو مندرجٌ تحتهما.
الثاني: عِبءُ تأهيلٍ.
التصدِّي للتفقيه و التعليم من المناقب العظيمة، و من المرتب التي أولاها العلماءُ اهتماماً و عنايةً، فكانت واضحة المعالم، بَيِّنَةَ الأصول و القواعد، و بالغوا في العنايةِ لِمَنْ يتصدَّى لبيان أحكام الشريعة، و إظهار أسرار الفقه في أعمال المُكلَّفيْن، فأتوا بأصولٍ و قواعدَ معتبَرَةٍ.
فلم يكن أمر التفقيه سبهللاً يسلكه كلُّ متمجهدٍ لا يفقَه ضبطَ اسم العِلْم، و لا كلُّ متعالمٍ لم يُجاوز عَتَبَةَ البداية، و إنما هو على ما ذُكرَ من بيانٍ لاهتمام الفقهاء به.
إذا عُلِمَ ذلك فإن التأهُّلَ نوعان:
النوع الأول: تأهيلُ تبليغٍ، و شأنُه تبليغُ العلمِ على وجههِ دونَ إقحامٍ لنفسهِ برأي يرتأيِهِ، أو قولٍ يقولُ به، و يأخذُ بذلك قانون التبليغِ وهو: (إيرادُ اللفظِ كما سَمعهُ من غير تغييرٍ) "فيضُ القدير" _ للمُناوي _ (3/ 206).
النوعُ الثاني: تأهيلُ استباطٍ، و هذا النوعُ هو المشتغلُ بالاستنباطِ للأحكام من النصوص، و الكلام عنه من جهتيْن:
الأولى: حدُّهُ، فهو:الذي يَسْتقلُّ بإدراك الأحكام الشرْعية من الأدلة الشرعية من غيرِ تقليد و تقيد بمذهب أحد.
انظر: " أدب المُفتي و المُستفتي " _ لابن الصلاح _ (ص 87).
الثانية: شروطه، إذِ المُتصَدِّر للاجتهاد شروطٌ، هي:
1.معرفةُ الكتاب، و المُرادُ: إدراك آيات الكتاب، و الإلمامُ بمعانيها، و المُتَعَيِّنُ آيات الأحكام.
انظر: المُستصفى _ للغزَّالي _ 2/ 350، المحصول _ لفخر الدين الرازي _ 2/ 33، البحر المحيط _ للزرْكشي _ 6/ 199.
2.معرفةُ السنة، كالسابق في حدِّ المُراد.
انظر: البحر المحيط 6/ 200.
3.معرفة اللغة العربية، و المُشْترَطُ العلمُ بما يتعلَّقُ بنصوص الأحكام.
قال الطُّوْفي _ يرحمه الله _[شرْح مختصر الروضة 3/ 581]: و يُشترَط أن يعرف من النحو و اللغة ما يكفيه في معرفة في معرفة ما يتعلَّق بالكتاب و السنة مِنْ: نصٍّ، و ظاهرٍ و مجمَلٍ، و حقيقةٍ و مجازٍ، و عامٍ و خاص، و مُطْلَقٍ و مقيَّدٍ، و دليل الخطاب و نحوه كـ: فحوى الخطاب، و لحنه، و مفهومه، لأن بعضَ الأحكام يتعلَّق بذلك و يتوقَّف عليه توقفاً ضرورياً. ا، هـ.
انظر: البحر المحيط 6/ 202، التحبير _ للمرْداوي _ 8/ 3875.
4.معرفة مواقع الأجماع، و ذلك لأمرين:
أ _ التحرُّز من القول بما يُخالفه، و يُلْحق بذلك: إحداثُ قولٍ ثالث.
ب _ التحرُّز من القول بالخلاف أو القول المهجور المتروك.
انظر: المستصفى 2/ 351، البحر المحيط 6/ 201.
فائدة: قال الإمامُ الزركشي _ يرحمه الله _[البحر المحيط 6/ 201]: و لابُدَّ معَ ذلك أن يعرفَ الاختلاف. ا، هـ. .
5.معرفة الناسخ و المنسوخ، حتى لا يستدل بنصٍّ منسوخ.
انظر: البحر المحيط 6/ 203، التحبير 8/ 3873.
6.معرفةُ أصول الجرح و التعديل.
قال المرْداوي _ يرحمه الله _[التحبير 8/ 3875]: لكنْ يكفي التعويلُ في هذه الأمور كلها في هذه الأزمنة على كلام أئمة الحديث كأحمد، و البخاري، و مسلم، و أبي داود، و الدارقُطْني، و نحوهم؛ لأنهم أهل المعرفة بذلك، فجازَ الأخذ بقولهم كما نأخذ بقولِ المُقَيِّمين في القيم. ا، هـ.
انظر: البحر المحيط 6/ 203، التحبير 8/ 3875.
7.معرفة أصول الفقه.
¥