لكن المتقدمين كانوا يتساهلون في ذلك لظهور أمر الأسانيد في عصرهم، لذلك نجد في معلقات البخاري الصحيحة ما يعلقه بقوله (رُوي) ونحوها،
فاحذر ما وقع فيه بعض العصريين من الغلط حيث قال: (ولقد أشار الترمذي في سننه إلى عدم ثبوت عدد العشرين ـ يعني في التراويح ـ عن عمر وغيره من الصحابة، فقال: رُوي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي r ) .
فاستدل المعاصر بقول الترمذي (رُوِي) على عدم ثبوته مع أن للترمذي وغيره من المتقدمين أحاديث صحيحة كثيرة يذكرونها بهذه العبارة ونحوها
وأما رواية بعض كبار الأئمة عن الضعفاء، فقد أجاب عنه الإمام النووي
ـ رحمه الله تعالى ـ فقال:
(فقد يقال: لِمَ حدث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء،مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم، ويجاب عنه بأجوبة:
أحدها: أنهم رووها ليعرفوها، وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم أو على غيرهم أو يتشككوا في صحتها.
الثاني: أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به، أو يستشهد كما قدمناه في فصل
المتابعات، ولا يحتج به على انفراده.
الثالث: أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل، فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض، وذلك سهل عليهم معروف عندهم، وبهذا احتج سفيان الثوري رحمه الله حين نهى عن الرواية عن الكلبي فقيل له: أنت تروي عنه! فقال: أنا أعلم صدقه من كذبه.
الرابع: أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال والقصص وأحاديث الزهد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام، وهذا الضرب من الحديث يجوز ثَمَّ أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه، ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به، لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة ثَمَّ أهله، وعلى كل حال فان الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئاً يحتجون به على انفراده في الأحكام، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من غيرهم من العلماء، وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه، فليس بصواب بل قبيح جداً وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به، فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام، وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به، بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفاً أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفاً والله أعلم)
تقديم الحديث الضعيف على القياس:
المقصود به الضعيف ضعفاً يسيراً، وليس شديد الضعف ولا الموضوع، فقد أجمع الأحناف، على أن الحديث الضعيف يقدم على القياس ولا يجوز القياس بوجوده، لأنه لا يعدل إلى القياس إلا عند عدم وجود النص.
قال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ:
(وقال أبو حنيفة: الخبر والجواب والضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من القياس، ولا يحل القياس مع وجوده)
قال السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ:
(رأي الإمام أحمد فإنه قال: إن ضعيف الحديث أحب إليه من رأي الرجال، لأنه لا يعدل إلى القياس إلا بعد عدم النص)
المصدر ( http://)