الجواب الذي في ذهني عن مسألة الخندق أن التزود ههنا ليس من أجل بُعد مسافة الخندق عن المدينة بُعدًا يُحوج الناس إلى التزود، كما أن إعداد العدة والأهبة هنا ليس لأجل السفر والمسافة وإنما لأجل ظروف الحرب والقتال والحصار التي قد تحول بينهم وبين الرجوع إلى المدينة للتزود منها.
وقد كنت مقيما بالرياض أيام حرب الخليج الأولى، وكان الناس يتزودون من الأطعمة وغيرها من الأغراض التي يحتاجها المسافر عادة كمواقد ومصابيح غير كهربائية ونحو ذلك، ويحزمون المهم من أغراضهم في الحقائب تحسباً لظروف الحرب وما يخشى من حصار ونحوه مع كونهم مقيمين في مدينتهم غير مسافرين.
وهذا أيضاً بمثابة شخص رغب هو وأسرته في قضاء أسبوعين أو شهر في استراحة داخل عمران مدينته لكن حتى لا يحتاج إلى الدخول والخروج والتردد على منزله بما يفسد عليه جو الرحلة فتأهب وأخذ عدة تشبه عدة المسافر فجمع ملابسه وملابس أسرته ووضعها في الحقائب ونقلها وتزود بما يكفيه من الطعام والشراب ويكفي أسرته، لكنه في عرفه وعرف الناس ليس بمسافر.
وفي المقابل لو أن شخصا سافر بالطائرة مسافة ألف كيلو وخرج من بيته لا يحمل غير أوراق السفر لعلمه أنه سيمكث هناك في فندق مكيف مهيأ يوما أو بعض يوم ومعه نقوده التي يمكنه أن يشتري بها ما يحتاج إليه من البلد التي سيسافر إليها، فهذا لم يتزود وهو مسافر على قولنا وقولكم، وهذا يوضح أن التزود ليس مناطا.
فالخلاصة أن التزود والتأهب بأهبة السفر لا يصلح وحده لتمييز السفر عن غيره، وإنما هو قرينة يستأنس بها، وإنما مناط السفر هو الخروج عن المدينة بمسافة تعد في العرف سفرا، ولو تأملتم قول شيخ الإسلام الذي أوردتموه حفظكم الله: [ولكن لابد أن يكون ذلك مما يعد في العرف سفرًا، مثل أن يتزود له، ويبرز للصحراء،] لوجدتم مصداق ما أقول لأنه جعل المناط ما يعد في العرف سفرا، ثم جعل التزود والبروز إلى الصحراء مثالا للقرائن التي تعضد العرف
شيخنا الكريم:
أنا أعلم أن جميع ما قلته لا يخفى عليكم، وبالتأكيد في جعبتكم أجوبة عليه، ولكن كتبته للمذاكرة، وليقرأه الضعفاء من أمثالي، حفظكم الله ونفع بكم.
ـ[المقرئ]ــــــــ[26 - 07 - 05, 04:37 م]ـ
مرحبا أهلا وسهلا بشيخنا المبجل: أبي خالد وفقه الله وجزاكم الله خيرا على مشاركتكم وفوائدكم وخلقكم الكريم
كأني أشم من مجمل جوابكم أنكم تذكرون نفس العلة التي ذكرت قبل وهي:
(1 - أنه لا يسلم أنهم كانوا خارج مسمى المدينة النبوية فلم يخرجوا عنها)
وهذا الإيراد صحيح أنه ينتفي معه الدليل لكن هذا بعد التسليم
قال ابن تيمية رحمه الله:
[فأما إذا كان في مثل دمشق، وهو ينتقل من قراها الشجرية من قرية إلى قرية، كما ينتقل من الصالحية إلى دمشق، فهذا ليس بمسافر، كان أن مدينة النبي صلىالله عليه وسلم كانت بمنزلة القرى المتقاربة عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم، قباء وغير قباء، ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرًا، ولهذا لم يكن النبي صلىالله عليه وسلم وأصحابه يقصرون في مثل ذلك، فإن الله تعالى قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: 101]، فجميع الأبنية تدخل في مسمى المدينة، وما خرج عن أهلها، فهو من الأعراب أهل العمود. والمنتقل من المدينة من ناحية إلى ناحية، ليس بمسافر، ولا يقصر الصلاة، ولكن هذه مسائل اجتهاد،/فمن فعل منها بقول بعض العلماء، لم ينكر عليه، ولم يهجر.]
وهذا فيه عدة نقاط:
1 - هذا الكلام يرد عليه أهل مكة ومنى، فالذي بين منى وبين مكة مثل ما بين المسجد النبوي وقباء
فلماذا التفريق
2 - وكذلك منى ومزدلفة الفرق أقل مما بين المسجد النبوي وقباء ومع هذا أهل منى إذا ذهبوا إلى مزدلفة قصروا على قولهم
والذي ينبغي أن ينتبه له:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يحفر الخندق إللا في مكان يبعد عن المتأهلين وهذه فائدته بمعنى أنه خرج عن النطاق العمراني ومن المعلوم عن العلماء قاطبة أن أحكام السفر تبدأ من حين الخروج عن العمران
فهذا وجه الإشكال
المقرئ
ـ[المقرئ]ــــــــ[15 - 08 - 05, 03:41 م]ـ
بارك الله فيكم
وقد من الله علي بالذهاب إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتقيت ببعض المهتمين بتاريخ المدينة فذكرت لهم إشكالي فقالوا:
إن الخندق كان داخل المدينة وليس خارجا عنها ولا يبعد عن المسجد إلا قرابة الكيلوين فقط
فإذا كان هذا صحيحا فعليه لا يرد هذا الإشكال والله أعلم
المقرئ
ـ[الغواص]ــــــــ[17 - 08 - 05, 08:56 م]ـ
ومن اليُمن والبركة المشاركة في مواضيع أمثال المقريء جزاه الله كل خير
أخي الكريم لدي استفسار .. حيث قلتَ بارك الله في علمك وعملك:
( ... وهذا فيه عدة نقاط:
1 - هذا الكلام يرد عليه أهل مكة ومنى، فالذي بين منى وبين مكة مثل ما بين المسجد النبوي وقباء
فلماذا التفريق ... ) انتهى كلامك
سؤالي:
هل فعلا أن "كل" القائلين بالعرف قد فرقوا فقالوا أن من خرج من أهل مكة إلى منى فهو مسافر يقصر الصلاة؟
¥