تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان ملكا المغرب المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ يعتمدان عليه في إيقاف ثورات وتمردات القبائل المغربية ضد النظام؛ لما كان له من النفوذ القوي بينهم.

وفي عام 1326 عقد الشيخ الكتاني مؤتمرا بمكناس بين القبائل البربرية في الأطلس والشمال، يدعو إلى تنازلها عما بينها من الدماء، وعن مبدأ الثأر، واتحادها في صد الهجمة الاستعمارية ضد البلاد، كان له أكير الفضل في إيقاف التطاحن والحرب الأهلية بين القبائل المغربية.

كما حرض – رضي الله عنه – جملة من زعماء القبائل على الاستعداد للحرب ضد فرنسا؛ من أبرزهم: القائد والمجاهد الكبير محمد بن حمو الزياني (موحا وحمو الزاياني) رحمه الله.

ونظرا لرفض المولى عبد الحفيظ شروط بيعته، واعتباره إياها تحجيرا لسلطاته، وتطاولا عليه؛ فقد ساءت العلاقة بين الشيخ الكتاني والمولى عبد الحفيظ، مما هيأ لدهاقنة الاستعمار الفرنسي ورواده الولوغ في الماء العكر، والإيقاع بين الشيخ والسلطان، حتى تمت الفاجعة الكبرى باعتقال الشيخ الكتاني في إحدى خرجاته الدعوية بضواحي فاس، واتهامه بمحاولة الثورة على النظام وإعلان الجهاد. ثم ألقي إلى السياط إلى أن سقط شهيدا في 14 من ربيع الثاني عام 1327/ 1909.

قال الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله: " اقترن استشهاد هذا العالم الجليل باستشهاد أمة كاملة؛ وهي: أمة المغرب".

لقد كان الشيخ أبو الفيض مجددا بما تعنيه الكلمة من معنى، وكان فيلسوفا متفتح العقل، ذا اطلاع نادر ومعرفة بسياسة الوقت، والحروب الأوروبية والشرقية، وكان حر الفكر والضمير، يجاهر بأفكاره في المجالس الخاصة والعامة، غير هياب ولا وجل.

كما أجمع مترجموه أنه كان آية في الصلاح والعبادة، شديد الخشية من الله تعالى، لا يترك قيام الليل ولا صيام الأيام الفاضلات، ولا يكاد يجالسه المرء إلا ويجد له كرامة أو كرامات. وكان يرى الزهد في خروج الدنيا من القلب لا من اليد، فكان يتجمل في الثياب بما لا طاقة لأحد به أحيانا، وأحيانا يلبس المرقعات. وكان شديد جمال الوجه واعتدال البدن، بحيث كان يرتدي اللثام أحيانا، فسمي من أجل ذلك بصاحب اللثام.

وقد تلمذ للشيخ الكتاني الآلاف في المشرق والمغرب، كان منهم الزعماء والعلماء، والمصلحون والمجاهدون ... وغيرهم.

وترك أكثر من ثلاثمائة مؤلف، وعشرة آلاف رسالة إرشادية. ومن مؤلفاته: "روح الفصوص"؛ من أغرب ما ألف، ويقع في مجلد ضخم، و"حياة الأنبياء"؛ في مجلدين، و"ختمة البخاري" من سبعة وعشرين علما، أملاه من حفظه في جامع القرويين عند ختمه شرح صحيح البخاري من الضحى إلى الظهر، وطبع عام 1318، و"هداية أهل الخصيصة بشرح حديث الخميصة" في مجلد ضخم ناقش فيه الإمام البخاري وغيره، و"المواقف الإلهية في التصورات المحمدية"، و"الأمالي في علم الأمهات" تحدث فيه عن بضع وتسعين علما، و"الرسالة الستينية في علوم شيخ التربية" تحدث فيه عن 66 علم من علوم شيخ التربية، و"البحر الخيضم في شروط الاجتماع بالنبي الأعظم"، و"رسالة المؤاخاة"، و"سفينة المحبة" ... وغير ذلك.

وكان له اعتناء باستقدام العلماء من المشرق للمغرب، وإبراز العلماء المغمورين من أجل إنعاش الحياة العلمية بالمغرب، بل اشترط في طريقته تدريس العلوم الشرعية في عموم الزوايا الكتانية، وفتح في الزاوية الكتانية بفاس دروسا في الجغرافيا والتاريخ وغيرهما من العلوم العصرية، قام بها نبغاء من المهاجرين المفكرين من علماء وزعماء المشرق الوافدين على المغرب، وفي هذا الإطار سعى في استقدام الشيخ الشهير أبي شعيب بن عبد الرحمن الدكالي من الحجاز إلى المغرب، وزوده برسائل إلى مختلف قبائل البلاد ومدنها من أجل الاحتفاء به والاعتناء، وربطه بالسلطان عبد الحفيظ؛ فكان ذلك السبب في ظهور الشيخ أبي شعيب وانتشار أمره بالمغرب.

وللشيخ أبي الفيض – رضي الله عنه – شعر رائق، يتنقل بين شعر الفلاسفة والمتصوفة، إلى شهر الفقهاء، إلى شعر الموجهين والمرشدين، إلى شعر أرباب العشق والتصوف، إلى شعر كبار الأدباء المتفننين. ومن شعره قوله في تائيته الشهيرة:

سقتني بثغر الوصل قهوة حسنها مشعشعة دارت بألحان نشأتي

فيا ساقيا مهلا فما روي الحشا أدرها على سري بحانات حضرة

سكرت ولكن من محيا جمالها فطلعتها سكري ككاسات خمرة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير