تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المدرسة الإصلاحية:

على ضوء هذا التعريف للتجديد والفرق بينه وبين التطوير، نحاول تقويم المدرسة الإصلاحية التي توسم بالتجديد ويقال عن زعمائها إنهم مجددون. ودراسة ما قام به جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده ومن تأثر بهما من محاولات لفهم الإسلام على ضوء هذا العصر، وتفسير بعض نصوصه تفسيرًا يلائم الحضارة الغربية، لنرى هل ينطبق عليهم اسم التجديد أم اسم التطوير.

إن زعيم هذا الاتجاه، والمذكي لناره، هو جمال الدين الأفغاني أو (الأسد أبادي) كما صح أخيرًا من تحقيق نشأته. ومع أنه لم يترك وراءه عملاً علميًا يكون دليلاً لآرائه وأفكاره - سوى كتابه (الرد على الدهريين) وآرائه المنشورة في مجلة (العروة الوثقى)؛لكن بصماته ظاهرة وواضحة في تلميذه محمد عبده وغيره ممن كانوا يحضرون دروسه ومناقشاته، وربما كان يفضل أن يلقي بآرائه شفاهًا، ليكون التأثير أقوى (لا شك أنه ذو شخصية مؤثرة مسيطرة) وربما لخطورة ما كان يلقي من آراء أيضاً فهو يثير موضوعًا هنا وموضوعًا هناك حسب نوعية الناس الذين يستمعون إليه.

وإذا أردنا تقديم فكرة موجزة عن نشاط وآراء الأفغاني نقول:

1 - له نشاط سياسي واسع وحركة دائبة لا تفتر، فهو يؤسس الأحزاب وينشر الصحف والمجلات؛ ويتحالف مع الدول ثم ينقلب عليها، ويدبر المؤامرات، ويدخل المؤسسات العالمية كالماسونية، كل هذا وهو يتنقل بين البلدان يدعو الشرق - والمسلمون منهم - إلى النهوض والتقدم، أو هكذا ظاهر دعوته، لأن الغموض كان يحيط ببعض تصرفاته وأساليبه، كصلته بأمراء روسيا القيصرية، وإقامته عندهم في بطرسبرج أربع سنين كان فيها موضعًا لإكرام القيصر (3). ولكن هذه الحركة لم ينتج عنها شيء علمي مما تتطلع إليه آمال المسلمين، كإحياء خلافة، أو تأسيس ملك إسلامي، ولم يصدر عنها تيار إسلامي قوي يصارع الغرب ويقف في وجه شروره.

2 - من الناحية الفكرية كان الأفغاني فيلسوفًا قبل أن يكون مصلحًا، فهو من الناحية السياسية يتكلم عن الشرق وأمراضه، ويقول: "فالشرق، الشرق، وقد خصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه وتحري دوائه، فوجدت أقتل أدوائه وما يعترض توحيد الكلمة فيه داء انقسام أهليه واختلافهم على الاتحاد واتحادهم على الاختلاف" (4)، ويقول عثمان أمين: "إن الجامعة التي كان ينشدها الأفغاني ومحمد عبده ليست هي الجامعة الإسلامية وإنما هي في صحيحها الجامعة الشرقية " (5)، وهو من الناحية الدينية يحاول الجمع بين الملتين السابقتين: اليهودية والنصرانية وبين الإسلام "لما لاحظه من تمام الاتفاق بينها في المبداً والغاية" (6). ثم تراجع عن هذه الفكرة متهماً القائمين على هذه الأديان بأنهم يحبون التفرق، ويقول عنه رشيد رضا: " كان يميل إلى مذهب وحدة الوجود الذي يقول به فلاسفة الإفرنج وبعض الصوفية" (7)، والإنسان عنده مَلَك أرضي يجب أن يرتفع بروحه إلى العالم العقلي، فكأنه يريد جمع الشرق والأديان كأحلام فلسفية كبيرة، وشعارات جذابة ولكنها غير واقعية.

أو أن في الأمر شيئًا آخر كان يخطط له من وراء هذه الشعارات، وليس غرضنا هنا تحليل شخصية وأعمال الأفغاني بقدر ما هو استجلاء أفكاره وتطلعاته من حركته الدائبة من ثم لبيان هل ينطبق عليها اسم التجديد؛ والحقيقة أنه إذا كان سلوكه الشخصي فيه كثير من المخالفات لقواعد وآداب الإسلام وعقيدته كما وصفنا عدا عن ارتباطاته السياسية فهل يكون مجددًا؛ والمجدد لابد أن يكون من أهل السنة عقيدة وسلوكًا.

محمد عبده:

إذا كانت شخصية الأفغاني وأهدافه فيهما شيء من الغموض، فإننا مع محمد عبده حيال شخصية واضحة، فآراؤه التي تأثر فيها بأستاذه أو فكره الخاص مكتوب بقلمه أو بواسطة تلميذه رشيد رضا، وسنجد أن معظم الآراء التي طرحها فيما يسمى بـ (الإصلاح) يمكن إدراجها تحت مفهوم (العصرانية) ومحاولة التلفيق بين الإسلام وروح الحضارة الغربية أو تابع فيها خطأ المعتزلة من قبل، ففي كتابه (رسالة التوحيد) أعاد منهج علماء الكلام في عرض العقيدة الإسلامية وتركيزهم على توحيد الربوبية، ووافقهم في قولهم (إن أول واجب على المكلف أن يأتي به هو النظر والفكر، وإن الأصل الثاني للإسلام: تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض) (8)، وجارى المعتزلة في عدم الأخذ بحديث الآحاد في العقائد. يقول: "ما قيمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير