[مقدمة "طبقات أهل السنة السنية، المجانبين للكلابية الأشعرية "]
ـ[العاصمي]ــــــــ[21 - 08 - 05, 08:55 م]ـ
مقدمة " طبقات أهل السنة السنية، المجانبين للكلابية الأشعرية ".
إنّ الحمد لله؛ نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فهو المهتد، و من يضلل؛ فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمّدًا عبده و رسوله.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، و أحسن الهدْي هديُ محمد صلى الله عليه و سلم، و شرّ الأمور محدثاتها، و كل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار.
لقد امتنّ الله تعالى على هذه الأمة المرحومة؛ فأكمل لها دينها، و أتمَّ عليها نعمته، و رضي لها الإسلام دينا، و بعث فيها خير رسله محمّداً صلى الله عليه و سلم؛ فبلغ الرسالة، و أدّى الأمانة، و تركها على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
و قد مضى على سُنَّتِه الغرّاء، و محجّته البيضاء، صحابتُه الكرام – رضي الله عنهم -، و تابعوهم بإحسان؛ من أهل الحديث و السُّنَّة و الأثر، يُوصي بذلك أولُهم آخرهم، و يقْتفي لاحقهم أثر سابقِهم، إلى أن نَجَم قَرْنُ البدعة، و نبغ رؤوس أهل الأهواء و الفتن؛ فقام أهل السُّنَّة يصيحون بهم من أقطار الأرض؛ يُحَذّرون، و يُنْذِرون، و يَعْذُرون إلى ربِّهم؛ نصيحة للأُمّة، و براءةً للذِّمًّة.
و بذلك ردُّوا البدع إلى جُحُورها؛ فلا تُطِلُّ برأسها إلاّ استُؤْصِلَتْ بسيْف السُّنَّة، و صارم الحُجَّة؛ فعاشَتْ الأُمّة قرونا مباركةً: السُّنَّةُ فيها ظاهرة، و الأهواءُ فيها داحرة، و البدعُ فيها بائرة داثرة، إلى أنْ تَسَلَّلَ المبتدعة إلى مناصبَ عاليةٍ؛ من وزارةٍ، و قضاءٍ، و إفتاءٍ، و تظاهر بعضهم بموافقة السُّنَّة، و مُنَاصَرَةِ أهلها، و انبرى بعضُهم للرد على الزنادقة، و الروافض، و الباطنية، و المعتزلة و نحوهم=فاغترَّ بعض أهل السُّنَّة ببعضهم؛ فزكَّوْهُم، و أثْنَوا عليهم، فاندسُّوا بين أهل السُّنَّة، ينشرون بدعهم بشبهات مُزخْرَفةٍ مُلفَّقةٍ، و تمويهات منمَّقة مُزوَّقة!
و حسبُك مثالاً على ذلك: أنْ تتذكَّر أنَّ أهل المغرب عاشوا رَدحا من الزَّمن على السُّنَّة و الأثر، لا يخوضون في الكلام و الفلسفة (1)، إلى أن وقع ما سيأتيك نبؤُه المروِّع المُفْزِع!
ذكر أبو الوليد الباجي في اختصار فرق الفقهاء عن أبي ذر الهروي (2)؛ قال: كان سبب أخذي عن القاضي أبي بكر (3)، و معرفتي بقدره: أنّي كنتُ مرَّةً ماشياً ببغداد، مع أبي الحسن الدارقطني (4)، إذ لَقِيتُ شاباً، فأقبل الشيخ عليه، و عظَّمه، و دعا له، فقلت للشيخ من هذا الذي تصنع به هذا؟! فقال لي: هذا أبو بكر بن الطيب؛ نصر السنة؛ و قمع المعتزلة – و أثنى عليه ...
قال أبو ذرّ: فاختلفتُ إليه، و أخذْتُ عنه مِن يَوْمِئِذٍ.
(1) أنظر سير أعلام النبلاء 17/ 557.
(2) راجع: ترتيب المدارك 7/ 46، و تبيين كذب المفتري ص 255 - 256، و سير أعلام النبلاء
17/ 557.
(3) هو: محمد بن الطيب الباقلاني الأشعري.
(4) قال – كما في سؤالات السلمي (480): " ما في الدنيا شيء أبغض إليَّ من الكلام ".
فالظاهر أنه أثنى عليه؛ لأنه لم يخبُر أمره، و لم يَسْبِر غَوْرَهُ.
ـ[العاصمي]ــــــــ[21 - 08 - 05, 09:14 م]ـ
و أخذ عنه جماعةٌ لا تُعَدُّ، و درسوا عليه أصول الفقه، و الكلام، و تخرج به جمع لا يُحصَوْن ...
و ممّا ضاعف في انتشار مذهب الأشعريِّ: انتصابُ أبي ذر الهرويِّ للتحديث و التدريس بالمسجد الحرام؛ فأخذ عنه خلقٌ من الحُجَّاج و الطلبة؛ من المغاربة و غيرهم
= و لذلك وقف الأئمّة موقفا شديداً من المبتدعة، لا رجعة فيه و لا تردّد؛ صيانة لرأس مال الأمّة (عقيدتِها و منهجِها)، و حمايةً لعقولها، و حراسةً لإيمانها، أن يَجْتاله و يَغْتاله أهل الأهواء و الشبهات=و صمَّموا – لذلك – من التحذير من الباقلاني و أمثاله.
و ممّن أبلى في هذا الشأن بلاءً حسنا، و جاهد في ذلك و ما وَنَا، الإمام الأثري، أبو حامدٍ أحمدُ بن أبي طاهر الإسفرايينيُّ (344 - 406).
¥