تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يرى أن أسباب الخذلان عند المسلمين هو القصور في التعليم الديني (14)، ونقد الأزهر وجموده وطرق تعليمه، وعبارات الكتب المتأخرة المتداولة، ودعا إلى كسر قيود التقليد الأعمى، وهاجم الصوفية الذين يعتقدون بالأموات وقال: إن هذا من أعمال الوثنيين، كما نقد جمهور العامة لأنهم إما جبرية أو مرجئة، وبعض هذا النقد من الإيجابيات إلا أنه غالى في مهاجمة التقليد، فكان من وراء ذلك فتح باب الاجتهاد على مصراعيه لمن يحسنه ومن لا يحسنه، كما أنه في هجومه على عقيدة (الجبر) والتكاسل ضخّم من شأن الاختيار حتى قرب من المعتزلة، وهجومه على الصوفية وإن كان حقًا إلا أنه لم يتبن عقيدة أهل السنة، بل كان كهجوم المعتزلة عليهم لأن الصوفية لا يأبهون للعقل ويعتمدون على الذوق والوجدان، وإذا كان أهم أعمال محمد عبده هو كسر الجمود الذي ران على التعليم والأزهر، وعلى المفاهيم بشكل عام، فإن ذلك كان على حساب مبادئ الإسلام وتعاليمه، وسنرى أن تلميذه رشيد رضا كان خيرًا منه ولكن ليس كل تلامذته على هذه الشاكلة فمنهم قاسم أمين وسعد زغلول.

وعلى كلى حال لا يزال يتمسح بمحمد عبده من يريد إسلاماً عصرياً يلائم هواه أو ضعفه.

رشيد رضا:

من أبرز تلامذة ومحبي محمد عبده، وهو وإن اختلف معه في بعض الأمور أو ابتعد عن منهجه في التفسير بعد أن استقل به منفردًا ولكنه ظل وفياً له، منافحًا عنه وعن الأفغاني حتى آخر حياته، ولا شك أن رشيد رضا يعتبر من المصلحين البارزين في هذا العصر، فقد كانت مجلة المنار من المجلات الإسلامية التي تهتم بشؤون المسلمين وتدافع عن الإسلام، وفيها كتب آراءه في الإصلاح، ونبه الأمة وحذرها، وأبدأ وأعاد في أهمية الإصلاح السياسي بتقييد الحكومات بالشورى، وركز على سنن الاجتماع البشري وعمارة الدنيا في سبيل الآخرة، والارتقاء بالمسلمين والاهتمام بالصناعة وثروة الأمة، وهاجم الترف والإسراف، ودعا العلماء للقيام بواجبهم دون خوف أو ملل، واهتم بالتعليم وتربية الأمة، وكان من آماله الكبيرة إنشاء معهد للدعوة والإرشاد لتخريج أجيال تفهم دينها وتتعلم العلوم الحديثة، وقد حاول جاهدًا إقامة هذا المعهد، فرحل إلى العاصمة "استامبول"، وأقام هناك سنة، ولكنه لم يوفق ثم رجع إلى القاهرة، ولكن جهوده لم تدعم ولم يقم المعهد (15)، وفي تفسير المنار أودع نظراته الثاقبة في داء الأمة وأسباب رقيها، وتكلم عن فلسفة تاريخ الاجتماع البشري (16)، كما دعا إلى نبذ التقليد والتعصب للمذاهب الفقهية إلا أنه ذهب إلى أبعد مما تحتمله هذه المسألة.

ومع هذه اللهجة الصادقة في الإصلاح وانتهاج مذهب السلف في الأسماء والصفات والرجوع إلى الأحاديث النبوية - وهذا مما يختلف به عن شيخه - إلا أنه ظل متأثرًا به في كثير من المواضيع، فهو يردد شبهة العقلانيين التي تقول بأن علماء الحديث لم يبحثوا في المتون أو يعتنوا بها، وإنما كانت عنايتهم بالأسانيد، ولو انتقدت الروايات من جهة فحوى متنها لانتقصت كثير من الأسانيد (17)، وظل متأثرًا بشيخه في موضوع المعجزات التي ذكرت في القرآن يحاول تأويلها تأويلاً بعيدًا غير مقبول، اعتذارًا من أحرار الغرب كما يسميهم. فمعجزة حمل السيدة مريم بعيسى عليه السلام هو أنها عندما بشرت به انفعل مزاجها ففعل في الرحم فعل التلقيح، وكان نفخ الروح الذي ورد بعدئذ متممًا لهذا التأثير (18)!! وعندما تكلم عن إصلاح المرأة وتعليمها، وموضوع التعدد كانت لهجته اكثر تقيدًا بالشرع وبالأحاديث، وأكثر ثقة بالإسلام من منهج شيخه، ولكنه وافق شيخه في موضوع التعدد وأنه يجوز منعه، كما حاول تبرير كل تصرفات شيخه وأستاذه الأفغاني، واعتذر عن بعض مواقفهم مثل دخولهم في الماسونية.

وبعد:

فإن المدرسة الإصلاحية أو (المعتذرون) ليسوا على درجة واحدة فالأفغاني غير محمد عبده، والأخير غير رشيد رضا، وإذا كانت أهداف الأفغاني ومحمد عبده متقاربة من ناحية الشكل النهائي رغم اختلافهما في الوسائل، فإن رشيد رضا أقرب منهما إلى الإصلاح المنشود، وأقرب إلى فهم الإسلام.

ومشكلة المدرسة العصرانية أن منهجها غير قابل للتطبيق لأنهم يريدون استنبات بذرة أجنبية وإدخال جسم غريب لا تتقبله طبيعة هذه الأمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير