وقال (ص 188) (إن لفظ الجسم والعرض والتحيز ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك في حق الله لا بنفي ولا بإثبات بل بدعوا أها الكلام بذلك وذموهم غاية الذم).
فهذا غيض من فيض وقليل من كثير ولكن كأني بأهل البدع حرموا من الإنصاف صغارهم كالمدعي ومن تشبه بهم.قلت (أبو فهر): وسيأتي بيان موقف الشيخ من هذه الألفاظ في موضعه من التدمرية.
قال فودة: ((لأن القرآن ينزه الله تعالى إجمالاً وتفصيلاً، ويثبت لله تعالى الصفات إجمالاً وتفصيلاً، فلا يوجد في القرآن ما يمنع النفي التفصيلي عند الحاجة لذلك، كما لا يوجد فيه ما يمنع الإثبات الإجمالي.
فأنت تعلم أن الله تعالى نفى بعض النقائص عن ذاته الشريفة تفصيلاً، فقال جل شأنه: (لم يلد ولم يولد)، كما نفى إجمالاً فقال: (ولم يكن له كفواً أحد)، وأثبت لنفسه الكمال الكلي العام في قوله: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، كما نزّه تفصيلاً فقال: (لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ). ولما نسب اليهود البخلَ لله تعالى ردَّ عليهم تفصيلاً فقال: (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء).
والقاعدة التي ابتدعها ابن تيمية إنما هي لتحقيق غرضه واستنفاذ شهوته. ولكن علماء أهل الحق قالوا بصحة النفي التفصيلي كما قالوا بصحة النفي الإجمالي، لأن كل ما خطر على قلب بشر من النقائص وأثبته بزيغه لله فيجب نفيه والتصريح بنفيه عند الاحتياج إلى ذلك، وما معنى نفي الزوجة والولد عن الله تعالى؟ أليس هذا نفياً تفصيلياً ليدفع به زعم من قال بإثباتهما له تنزه وتعالى؟
وقد تنبه شارح التدمرية إلى هذه المعاني عن بُعد، فقال ـ تعليقاً على استشهاد ابن تيمية على النفي المجمل بقوله تعالى (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) ـ: "ووجه الدلالة من الآية الثانية أن الله نفى أنْ يكون له كفؤ أي شبيه ونظير مكافئ له، فنفى المكافأة والمشابهة عموماً وهذا نفي مجمل، والشاهد قوله: (ولم يكن له كفواً أحد)، وأما قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد) فهو من باب النفي المفصَّل، لأنه نفي صفة معينة، وقد خرجت هذه الآية عن القاعدة والأغلبية، وهي أن طريقة القرآن في النفي الإجمال، وذلك لسببين: الأول أن اليهود والمشركين نسبوا الولد إلى الله فردّ الله عليهم ونفى هذه الصفة بعينها. والثاني أن الولد والولادة صفة كمال في المخلوق، فنفيت لئلا يتوهم أن الله متصف بها، فهي وإن كانت وصفَ كمالٍ في المخلوق إلا أنه كمال مقترن بالنقص، هذا هو السبب في خروج هذه الآية عن القاعدة، ولها نظائر قليلة" اهـ.))
قلت: وإذن فقد وقف فودة على توجيه أحد الشراح لتعارض القاعدة مع المثال والمثالين اللذين لا يوجد عند المبتدعة غيرهما، وحاصل توجيه الشارح أننا إذا تأملنا الأمثلة التي خرجت عن القاعدة وجدناها قد خرجت عن القاعدة لحاجة وعلة فقوله تعالى)) لم يلد ولم يولد))
إنما جاء نفيا مفصلا لسببين:
1 - لأن التفصيل فيهما مناسب للرد على من نسبوا إلى الله الولد
2 - لأن التفصيل فيهما مناسب لدفع توهم أن وجود الولد لله كمال.
وهذا كلام وجيه فبما اعترض عليه فودة؟
اقرأ معي:
قال فودة: ((لنا بعض الملاحظات على ما مضى:
أولاً: أن ابن تيمية يقول إن الطريقة في الإثبات هي الإثبات المفصّل، وهذا من حيث الظاهر لا إشكال فيه، إلا أننا نخالفه فيما يريد أن يثبته تفصيلاً، كما شرحناه سابقاً. فهو يريد إثبات الجهة، ونحن ننفيها، وهو يريد إثبات الحدّ ونحن ننفيه، وهو يريد إثبات الحيز ونحن ننفيه، وهو يريد إثبات الحركة وحلول الحوادث في الذات ونحن ننفي ذلك.))
قلت: وهذه قد فرغنا من بيان تجني فودة فيها.
قال فودة ((ثانياً: قوله إن الطريقة في النفي هي النفي المجمل غير مسلّم على إطلاقه لوجهين: الأول: أننا قد نحتاج إلى النفي المفصّل، وذلك لدفع أوهام بعض المبتدعة والملحدين كمن يتوهم أن الله بخيل، فننفي البخل عنه تفصيلاً، وكمن يثبت الجهة لله، فننفيها عنه تفصيلاً كما نفى الله تعالى الصاحبة والولد.))
قلت: وهل قال الشارح غير هذا،الأصل أن النفي يكون مجملا إلا إذا دعت الحاجة إلى التفصيل، فما وجه اعتراضك يا فودة.
¥