تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس هو قولا واعتقاد دون عمل، لأن الله سمى اللأعمال إيمانا، فقال تعالى: {َمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة: 143) أي: صلاتكم إلى البيت المقدس.

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لوفد عبد القيس:

" آمركم بأربع: الإيمان بالله، هل تدرون ماالإيمان بالله؟: شهادة أن لاإله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وان تعطوا من المغانم الخمس".

فعندنا إذا أربعة أمور تتركب منها حقيقة الإيمان:

أولاً - قول القلب: هو معرفته للحق، واعتقاده، وتصديقه، وإقراره، وإيقانه به؛ وهو ما عقد عليه القلب، وتمسك به، ولم يتردد فيه، قال عز وجل: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) (1).

وقال تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) (2).

وقال أيضاً: (كتب في قلوبهم الإيمان) (3).

وقال أيضاً: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (4).

وقال - صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسان، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه" (5).

إلى غير ذلك من الأدلة الصريحة في أن إيمان القلب شرط في الإيمان، ولا يصح الإيمان بدونه، وأنه إذا وجد سرى ذلك إلى الجوارح ولابد.

ويقول الإمام المروزي - رحمه الله -: (أصل الإيمان التصديق بالله، وبما جاء من عنده، وعنه يكون الخضوع لله لأنه إذا صدق بالله خضع له، وإذا خضع أطاع .. ومعنى التصديق هو المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية، بوعده، ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول والعمل .. ومن التصديق بالله يكون الخضوع لله، وعن الخضوع تكون الطاعات، فأول ما يكون عن خضوع القلب لله الذي أوجبه التصديق من عمل الجوارح والإقرار باللسان) (2).

ويقول أيضاً: (وإنما المعرفة التي هي إيمان، هي معرفة تعظيم الله، وجلاله، وهيبته، فإذا كان كذلك، فهو المصدق الذي لا يجد محيصاً عن الإجلال، والخضوع لله بالربوبية، فبذلك ثبت أن الإيمان يوجب الإجلال لله، والتعظيم له، والخوف منه، والتسارع إليه بالطاعة على قدر ما وجب في القلب من عظيم المعرفة) (3).

ويقول: (أصل الإيمان هو التصديق، وعنه يكون الخضوع، فلا يكون مصدقاً إلا خاضعاً، ولا خاضعاً إلا مصدقاً، وعنهما تكون الأعمال) (4)

يتضح لنا من النقل السابق أن العلم والمعرفة والتصديق (أي قول القلب)، إن لم يصحبها الانقياد والاستسلام والخضوع، (أي عمل القلب والجوارح) لم يكن المرء مؤمناً، بل تصديق هذا شر من عدمه (1) لأنه ترك الانقياد مع علمه ومعرفته.

والدليل على أن التصديق والمعرفة فقط لا تنفع صاحب-ها وصف الله به إبليس بقوله: (خلقتنى من نار) (2) وقوله: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) (3)، فأخبر أنه قد عرف أن الله خلقه، ولم يخضع لأمره فيسجد لآدم كما أمره، فلم ينفعه معرفته إذ زايله الخضوع.

والدليل على ذلك أيضاً شهادة الله على قلوب بعض اليهود أنهم يعرفون النبي – صلى الله عليه وسلم – وما أنزل إليهم كما يعرفون أبناءهم، فلا أحد أصدق شهادة على ما في قلوبهم من الله، إذ يقول لنبيه: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) (4)، وقال: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) (5)، وقال: (ليكتمون الحق وهم يعلمون) (6) فشهد على قلوبهم بأنها عارفة عالمة بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يوجب لهم اسم الإيمان بمعرفتهم وعلمهم بالحق إذ لم يقارن معرفتهم التصديق والخضوع لله ولرسوله بالتصديق له والطاعة (7).

ومما يجدر ذكره أن بعض السلف يطلق التصديق أو اعتقاد القلب ويقصد به قول القلب وعمله جميعاً، أو عمل القلب وحده.

يقول الإمام أحمد – رحمه الله -: " وأما من زعم أن الإيمان الإقرار، فما يقول في المعرفة؟ هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج أن يكون مصدقاً بما عرف؟ فإن زعم أنه يحتاج على المعرفة مع الإقرار، فقد زعم أنه من شيئين، وإن زعم أنه يحتاج أن يكون مقرا ومصدقا بما عرف، فهو من ثلاثة أشياء، وإن جحد وقال: لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق فقد قال قولاً عظيماً (1) فالملاحظ من كلام الإمام أحمد أنه يعني بالتصديق عمل القلب ويعني بالمعرفة قول القلب، أما الإقرار فقول اللسان (2) وقال الإمام أبو ثور لما سئل عن الإيمان ما هو؟: (فاعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب والقول باللسان وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير