تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الدكتور مفرح بن سليمان القوسي في رسالته (المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية) (2/ 561 - 569): (الدكتور محمد عابد الجابري: الذي قدم في كتبه ما يمكن أن يُسمى مشروعاً تحديثياً لتجديد الشريعة كي تبدو موافقة للتطور وموائمة لظروف العصر، والتجديد الذي يدعو إليه ليس هو التجديد بمفهومه السلفي الضيق –على حد تعبيره- بل تجديد بمفهوم عصري واسع يقوم على العقل وحده، فنراه يقول: "والتجديد بالنسبة للرؤية الإسلامية جزء من الحياة نفسها بدليل الحديث النبوي المشهور (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، وبما أن الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا، بل بالعكس من ذلك يربط صلاح أمور الدين بصلاح أمور الدنيا، فإن تجديد أمور الدين يعني في ذات الوقت تجديد أمور الدنيا. وبما أن أمور الدنيا تتغير من زمان إلى آخر، فإن مفهوم التجديد ومتطلباته لابد أن يتغير حسب الظروف والأعصار. وهكذا فإذا كان بعض الفقهاء القدامى قد فسروا "التجديد" على أنه كسر للبدعة والعودة بالمسلمين إلى سيرة السلف الصالح، فينبغي ألا نقف عند حدود هذا المعنى تقليداً لهم وتقيداً بالتعريف الذي أعطوه للبدعة، والذي استمدوه من ظروف عصرهم ومعطيات واقعهم" ([12]).

ويقول كذلك محدداً (التجديد) الذي يحتاج إليه المسلمون اليوم:"والحق أن ما يحتاج إليه المسلمون اليوم هو "التجديد" وليس مجرد "الصحوة"، إن التحديات التي تواجه العالم العربي والعالم الإسلامي تتطلب ليس فقط رد الفعل بل الفعل، والفعل في العصر الحاضر هو أولاً وأخيراً فعل العقل… لأن العصر يقوم كل شيء فيه على الفعل العقلاني" ([13]).

ويتمثل المشروع التحديثي الذي قدّمه الجابري لتجديد الشريعة فيما يلي:

أولاً: إعادة تأصيل الأصول ولا سيما أصول الفقه، وإعادة بناء منهجية التفكير في الشريعة، وفي هذا يقول: "إن المطلوب اليوم هو إعادة بناء منهجية التفكير في الشريعة انطلاقاً من مقدمات جديدة ومقاصد معاصرة، وبعبارة أخرى: المطلوب اليوم تجديد ينطلق لا من مجرد استئناف الاجتهاد في الفروع، بل من إعادة تأصيل الأصول؛ من إعادة بنائها" ([14])، ويقول أيضاً: "إنما نريد أن يتجه تفكير المجتهدين الراغبين في التجديد حقاً والشاعرين بضرورته فعلاً إلى القواعد الأصولية نفسها، إلى إعادة بنائها بهدف الخروج بمنهجية جديدة تواكب التطور الحاصل، سواء على صعيد المناهج وطرق التفكير والاستدلال أو على صعيد الحياة الاجتماعية والمعاملات الجارية فيها التي تفرضها مستجدات العصر وضروراته وحاجاته. إن القواعد الأصولية التي ينبني عليها الفقه الإسلامي لحد الآن ترجع إلى عصر التدوين (العصر العباسي الأول)، وكثير منها يرجع إلى ما بعده. أما قبل عصر التدوين هذا فلم تكن هناك قواعد مرسمة تؤطر التفكير الاجتهادي بمثل ما حدث بعد، والفقهاء الذين وضعوا تلك القواعد قد صدروا في عملهم الاجتهادي ذاك عن النظام المعرفي السائد في عصرهم، وعن الحاجات والضرورات والمصالح التي كانت تفرض نفسها في ذلك العصر، وبما أن عصرنا يختلف اختلافاً جذرياً عن عصر التدوين ذاك، سواء على مستوى المناهج أو المصالح، فإنه من الضروري مراعاة هذا الاختلاف والعمل على الاستجابة لما يطرحه ويفرضه" ([15])، ويقول كذلك: "إننا نريد أن نؤكد في هذا السياق أن الدعوة إلى تحقيق الأصالة والمعاصرة، وهي دعوة ما فتئت تتردد على ألسنتنا وفي كتاباتنا منذ أكثر من قرن ودون جدوى ستبقى مجرد دعوة تتقاذفها أمواج التغير والتبدل الذي يفرض نفسه على الحياة المعاصرة ما لم ترتفع تلك الدعوة إلى المستوى الذي يجعل منها دعوة إلى التكيف الواعي مع المستجدات قصد السيطرة عليها ارتكازاً على تأصيل جديد للأصول" ([16]).

ويقول كذلك مبرراً دعوته إلى تغيير أصول الفقه:"القواعد الأصولية هذه ليست ما نص عليه الشرع لا الكتاب ولا السنة، إنها من وضع الأصوليين، إنها قواعد للتفكير، قواعد منهجية، ولا شيء يمنع من اعتماد قواعد منهجية أخرى إذا كان من شأنها أن تحقق الحكمة من التشريع في زمن معين بطريقة أفضل" ([17]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير