تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الأستاذ بسطامي سعيد: (كثيرة هي الأقلام التي تناولت الشيخ محمد عبده (1226 - 1323 هـ/1849ـ 1905م) بالدراسة وبالنقد والتمحيص لآرائه وأفكاره، وقد بلغت إصلاحاته وآراؤه من الشهرة والذيوع ما يغني عن الدخول في تفصيلاتها. إنما نهتم هنا بالاتجاهات العصرانية عند محمد عبده، والتي تظهر في كتاباته، وبالأخص في تفسيره لبعض الآيات، وفي بعض فتاواه، مما يجعل مدرسته الفكرية تضاهي وتشابه في بعض نواحيها مدرسة سيد أحمد خان في الهند، حتى إن تلميذه رشيد رضا لا يخفي إعجابه بمقالة نشرتها في ذلك الوقت جريدة (الرياض) الهندية، عنوانها: «هل ولد السيد أحمد خان ثانية بمصر وظهرت جريدته (تهذيب الأخلاق) بشكل المنار؟!». ([1])

ففي منهجه لتفسير القرآن تتجلى واضحة النزعة إلى تفسير القرآن تفسيرًا يتناسب مع المعارف الغربية السائدة في العصر ([2])، ومن الأمثلة المشهورة لذلك تفسيره لقوله تعالى في سورة الفيل: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ) (الفيل: 3 – 4) بأنها جراثيم الجدري أو الحصبة يحملها نوع من الذباب أو البعوض ([3]). وتفسيره لقوله تعالى: (مِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ) بأن المراد هنا (النمَّامون المقطِّعون لروابط الألفة)؛ لأن السحرة المشعوذين يزعمون أنهم يقطعون الأواصر حتى بين المرء وزوجه بسحرهم. وقد اضطره لهذا التفسير إنكاره أن يكون السحر حقيقة ملموسة، بل هو عنده نوع من الأساليب الماكرة، وضروب من الحيل الخفية، ويؤول ما جاء في القرآن عن السحر بأنه من قبيل (التمثيل)، ويرد الأحاديث الصحيحة فيه. ([4])

وفي بعض فتاوى محمد عبده نجد محاولة لتأويل أحكام الفقه تأويلاً يتلاءم مع أهواء الحضارة الغربية، وتبرير واقعها، ومن أهم فتاواه في ذلك حِلُّ إيداع الأموال في صندوق التوفير وأخذ الفائدة عليها ([5])، وفي مقالة له عن تعدد الزوجات تحدث عن تاريخ التعدد عند الشعوب الأخرى، وعند العرب قبل الإسلام، وأن الإسلام قد خفف من العادة العربية في الإكثار من الزوجات، ووقف عند الأربعة رحمة بالنساء من ظلم الجاهلية، ولكنه يرى الآن -للظروف والملابسات السائدة في المجتمع، ولاستحالة العدل بين النساء- أنه لا بد من منع تعدد الزوجات إلا في حالات استثنائية يقررها القاضي. ([6])

وهكذا نلمح عند محمد عبده بعض ملاح المنهج العصراني، مِنْ صَرْف القرآن عن غير معانيه الظاهرة أحيانًا بحجة أنها تمثيل وتصوير، ورده للسنة الصحيحة أحيانًا لمعارضتها ما يظن أنه من علوم العصر، واستخدام المنهج التاريخي لمعالجة قضايا وأحكام الشريعة وربطها بظروف وملابسات مؤقتة. وإذا كانت هذه النزعات عند محمد عبده نزعات ضعيفة مصغرة -ربما بحكم ثقافته الأزهرية- إلا أنها قد تركت آثارها في تلامذته مِنْ بعده، فتضخمت في مجموعة منهم وصارت مضاعفة مكبرة، ومن هؤلاء: قاسم أمين وعلي عبد الرازق).

(المرجع: مفهوم تجديد الدين، بسطامي محمد سعيد، ص 142 - 143).


([1]) (تاريخ الإمام محمد عبده)، محمد رشيد رضا، ج1 ص 716.

([2]) انظر لتفصل ذلك (التفسير والمفسرون) للذهبي، ج3 ص 233 ـ 242، و (منهج الإمام محمد عبده في تفسير القرآن)، الدكتور عبد الله شحاتة، ص 83 ـ 135.

([3]) (الأعمال الكاملة لمحمد عبده)، جمع وتحقيق محمد عمارة، ج5 ص529.

([4]) نفس المصدر، ج5 ص566.

([5]) (تاريخ الإمام محمد عبده)، ج3 ص84.

([6]) المصدر السابق، ج2 ص 90 - 95.

www.alkashf.net

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير