تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن رأى أنه لا يستحق اسم "أهل السنة" إلا من وافق السنة في أمور العبادات والاعتقادات، ومن خالف مذاهب أهل السنة وسلف الأمة في شيء من ذلك ولاسيما في أبواب الاعتقاد، فإنه يستحق اسم "أهل السنة".

قال: ليس الأشاعرة من أهل السنة، وعلى هذا يخرج قول من قال: ليسوا من أهل السنة كالإمام السجزي والشيخ بابطين وغيرهما.

وربما وجد ما يؤيد هذا الاتجاه من كلام أئمة السلف، حيث عدد كثير منهم مسائل الاعتقاد التي يكون المرء إذا استكملها من أهل السنة، وإن أخل بشيء منها فليس هو من أهل السنة، وذلك مثل:

قول الإمام أحمد: (هذا مذاهب أهل العلم، وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها، المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إلى يومنا هذا، وأدركت من علماء الحجاز، والشام وغيرهما عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة زايل عن منهج السنة وسبيل الحق، فكان قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص ... ) [49]. ثم ذكر جملة اعتقاد أهل السنة.

وقول علي المديني: ( ... السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها، أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشره ثم تصديق الأحاديث والإيمان بها ... إلى آخر الاعتقاد) [50].

وقول عبد الله بن المبارك: (أصل اثنين وسبعين هوى: أربعة أهواء فمن هذه الأربعة الأهواء تشعبت الاثنان وسبعون هوى: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج.

فمن قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ولم يتكلم في الباقين إلا بخير ودعا لهم، فقد خرج من التشيع أوله وآخره.

ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره.

ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره.

ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل خيرها وشرها يضل من يشاء ويهدي من يشاء؛ فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنة ... ) [51].

وقول عبيد الله بن بطة العكبري: (ونحن ذاكرون شرح السنة ووصفها، ومت هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمى بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذر منه من أهل البدع والزيع فما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة منذ بعث نبيه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى وقتنا هذا. – ثم ذكر الإيمان والصفات والقدر وغيرها من أمور الاعتقاد - ... ) [52].

فكلام هؤلاء الأئمة المعتبرين المقتدى بهم صريح في أن أحداً لا يرقى ولا يتأهل لحمل لقب "صاحب سنة" أو أنه "من أهل السنة"؛ إلا إذا تحققن فيه خصال السنة التي أجمعوا عليها.

أما من رأى من أهل العلم أن من خالف السنة في باب من أبواب الاعتقاد ووافقها في باب آخر فهو من أهل السنة فيما وافق فيه السنة، وليس منهم فيما خالفهم فيه، وذلك من باب أن المرء يمدح بقدر ما فيه من موافقة السنة، ويذم بقدر ما فيه من مخالفتها، وأن إخراج قوم من مسمى "أهل السنة"؛ لأنهم خالفوا السنة في باب دون باب، فيه مجانبة للعدل والإنصاف، من رأى هذا الرأي قال مثلاً: الأشاعرة من أهل السنة في أبواب الإيمان والعقيدة التي لم يخالفوهم فيها، وليسوا منهم في باب الصفات وما خالفوا فيه.

والذي أميل إليه: أن لا يقال: (الأشاعرة من أهل السنة) إلا بقيد، فيقال: هم من أهل السنة في كذا، في الأبواب التي لم يخالفوا فيها مذهب أهل السنة.

لأننا إذا أطلقنا القول بأنهم من "أهل السنة" التبس الأمر وظن من لا دراية له بحالهم أنهم على مذهب أهل السنة والسلف في كل خصال السنة، والواقع أنهم ليسوا كذلك. بل في أقوالهم ما يخالف السنة في كثير من أبواب الاعتقاد. فليسوا على السنة المحضة في كل اعتقاداتهم.

وإذا أطلقنا القول بأنهم ليسوا من أهل السنة، كان ذلك حكماً بأنهم خالفوا السنة في كل أبواب الاعتقاد، والأمر ليس كذلك فقد وافقوا أهل السنة في أبواب الصحابة والإمامة وبعض السمعيات.

فالعدل والإنصاف يقتضي أن يحكم على كلٍ بما يستحق على ضوء ما رضي لنفسه من قول واختلط من نهج.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير