تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي المنتخب من العلل للخلال لابن قدامة ص (265) قال المروذي: قلت لأبي عبدالله: كيف تقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (خلق آدم على صورته؟)

قال الأعمش: يقول: عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر (إن الله خلق آدم على صورته) فأما الثوري فأوقفه – يعني حديث ابن عمر.

قلت: وهذا مشكل , اللهم إلا أن يكون مراد الإمام أحمد بالموقوف أي المرسل , يعني الراوي وقف به عند عطاء ولم يجاوزه , أو يكون هذا من اختلاف الرواة على الثوري.

الثانية: أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت.

الثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء.

وقد ذكر الألباني رحمه الله هذه العلل في " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ".

وزاد علة رابعة , وهي: جرير بن عبدالحميد فإنه وإن كان ثقة , فقد ذكر الذهبي في ترجمته من الميزان أن البيهقي في سننه في ثلاثين حديثاً لجرير بن عبدالحميد قال (وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ)

ومما يؤيد ذلك أنه رواه مرة عند ابن أبي عاصم (530) – وكذا اللالكائي برقم (716) – بلفظ (على صورته) ولم يذكر (الرحمن) وهذا الصحيح المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من الطرق الصحيحة عن أبي هريرة (2).

قال أخونا طارق عوض الله في حاشيته على المنتخب من العلل للخلال (وهذه العلة قوية جداً , لأن بهذا يسقط الحديث عن الأعمش أصلاً , ولا يبقى إلا حديث الثوري , وقد عرفت حاله , ومما يؤكد قوة هذه العلة: أن الإمام الدارقطني ذكر هذا الحديث في الأفراد والغرائب له , كما في أطرافه لابن طاهر (3136) وقال الدارقطني: تفرد به جرير بن عبدالحميد , عن الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء) (3).

قلت: وقد وقفت على علة خامسة يعلل بها حديث ابن عمر (على صورة الرحمن) , وهي الانقطاع في الإسناد , فإن عطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر , نص على ذلك الإمام أحمد وعلي بن المديني , كما في جامع التحصيل للعلائي ص (237) رقم (520).

وفي المراسيل لابن أبي حاتم ص (128) قال أبو عبدالله – يعني الإمام أحمد – (عطاء – يعني ابن أبي رباح – قد رأى ابن عمر ولم يسمع منه).

وقد حاول الشيخ حمود التويجري رحمه الله أن يجيب عن العلل الأربعة في كتابه عقيدة أهل الإيمان من عدة أوجه , وفي بعض أجوبته نظر! ومما ذكره من الأوجه (قال: الوجه الثاني: أن يقال إن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه قد صححا حديث ابن عمر رضي الله عنه الذي فيه (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن) ... ) إلخ.

ثم قال (وإذا علم أن الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قد صححا حديث ابن عمر رضي الله عنه الذي جاء فيه (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن) فلا ينبغي أن يلتفت إلى تضعيف ابن خزيمة له فصلاً عن تضعيف الألباني له تقليداً لابن خزيمة , وذلك لأن أحمد وإسحاق أعلم بالأسانيد والعلل ممن أقدم على تضعيف الحديث بغير مستند صحيح) (4).

قلت: هذا الوجه الذي ذكره الشيخ رحمه الله ليس حجة قوية , أما إسحاق بن راهويه فقد ثبت عنه تصحيح الحديث , كما صرح بذلك حرب الكرماني في كتاب السنة , وليس كل إنسان يعتمد على تصحيحه , إذا قد يصححه تبعاً لغيره ولو لم تظهر له علته.

وأما تصحيح الإمام أحمد للحديث فليس على أنه ثابت , وإنما لأجل أن يحتجَّ به على أن الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم (على صورته) يعود إلى الله عز وجل , على أنه قد تقدم عن الإمام أحمد ما يدل على عدم صحة رواية (صورة الرحمن) فيما حكاه المروذي عنه.

وأما الجواب عما نقله الذهبي في الميزان في ترجمة حمدان بن علي الوراق فقد أجاب عنه أخونا الشيخ طارق عوض الله في حاشيته على المنتخب من العلل للخلال ص (267) بجواب نفيس قال (ويصعب أن نفهم من كلام أحمد الذي حكاه الذهبي أنه يصحح الحديث المذكور , وإن كان في بعض كلامه ما قد يوهم ذلك , وذلك قوله: فأين الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن)؟! حيث قال هذا في معرض الرد على من فسر حديث (على صورته) بأن معناه: على صورة آدم , فقد يوهم ذلك صحة الحديث عنده , غير أن المتأمل لكلام الإمام أحمد يظهر له بجلاء أن الإمام لا يعتمد على هذا الحديث في نقض التأويل , حتى يصح أن يقال: إنه احتج به واعتمد عليه , فالظاهر للمتأمل غير ذلك , وإن الإمام إنما يستأنس به فحسب , فالمعروف من عادة العلماء في باب الاستشهاد التسامح في سوق الروايات الضعيفة إذا لم تكن منكرة , وكانت موافقة لظاهر الروايات الصحيحة التي في الباب , فيستأنسون بها لبيان ما يدل عليه ظاهر الأحاديث الصحيحة , وصنيعهم هذا لا يدل على اعتمادهم على تلك الروايات الضعيفة , ولا يدل – أيضا- على أنهم اعتمدوا عليها في تفسير الحديث الصحيح الذي ربما يكون معناه محتملاً لهذا المعنى الذي تضمنه هذا الحديث الضعيف ولغيره من المعاني ... وقد قيل: إن رواية (على صورة الرحمن) مما رواه بعض الرواة بالمعنى , فإن صح هذا فليس في الإسناد إلا إمام من أئمة أهل السنة , فالأخذ بتأويله وبفهمه أولى من الأخذ بتأويل المتأخر) أ هـ.

يتبع إن شاء الله تعالى ...

ـــــــــــــــ

2) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1176).

3) المنتخب من العلل للخلال لابن قدامة ص (269).

4) عقيدة أهل الإيمان ص (22 – 37).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير