قلت: هذه الزيادة التي ذكرها ابن قتيبة في حديث الصورة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ برجل يضرب رجل آخر , فقال (لا تضربه). لم أقف عليها , وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (هذا شيء لا أصل له , ولا يعرف في شيء من كتب الحديث) (9).
وقد قال الطبراني في كتاب السنة: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال (قال رجل لأبي: إن رجلاً قال: خلق الله آدم على صورته , أي صورة الرجل , فقال: كذب , هذا قول الجهمية , وأي فائدة في هذا) (10).
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشيخ محمد الكرخي الشافعي أنه قال في كتابه " الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لذوي البدع والفضول " ما نصه (فأما تأويل من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول , وإن صدر ذلك عن إمام معروف غير مجهول , نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في تأويل الحديث (خلق آدم على صورته) فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل , ولم يتابعه عليه من قبله من أئمة الحديث , لما رويناه عن أحمد رحمه الله , ولم يتابعه أيضاً من بعد ... )
ثم قال شيخ الإسلام (قلت: فقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني فيما جمعه من مناقب الإمام المقلب بقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التميمي صاحب كتاب الترغيب والترهيب , قال: سمعته يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة , ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ عنه فحسب. قال أبو موسى: أشار بذلك إلى أنه قلَّ من إمام إلا وله زلة , فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته , ترك كثير من الأئمة , وهذا لا ينبغي أن يفعل) (11).
وقال الذهبي رحمه الله في السير – في ترجمة محمد بن إسحاق بن خزيمة – (وكتابه في التوحيد مجلد كبير , وقد تأول في ذلك حديث الصورة , فليعذر من تأول بعض الصفات , وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا , وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله , ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه , وبدعناه , لقل من يسلم من الأئمة معنا , رحم الله الجميع بمنه وكرمه) (12).
وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس ثلاثة عشر وجهاً لإبطال هذا القول:
· منها: أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير , فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر بأن الله خلق آدم على صورته في غاية البعد , لا سيما وقوله (وإذا قاتل أحدكم .. وإذا ضرب أحدكم) عام في كل مضروب , والله خلق آدم على صورهم جميعهم , فلا معنى لإفراد الضمير , وكذلك قوله (لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك) عام في كل مخاطب , والله قد خلقهم كلهم على صورة آدم.
· ومنها: أن ذرية آدم خلقوا على صورة آدم , لم يخلق آدم على صورهم , فإن مثل هذا الخطاب إنما يقال فيه: خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول المتقدم وجوده , لا يقال: إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود , كما يقال: خلق الخلق على غير مثال أو نسيج هذا على منوال هذا.
· ومنها: أنه إذا أريد مجرد المشابهة لآدم وذريته لم يحتج إلى لفظ خلق على كذا , فإذ هذه العبارة إنما تستعمل فيما فطر على مثال غيره , بل يقال إن وجهه يشبه وجه آدم , أو فإن صورته تشبه صورة آدم.
· ومنها: أنه لو كانت علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم لنهى أيضاً عن الشتم والتقبيح وسائر الأعضاء , لا يقولن أحدكم قطع الله يدك ويد من أشبه يدك ... إلخ ما ذكره (13).
يتبع إن شاء الله تعالى ...
ـــــــــــــــ
5) التوحيد لابن خزيمة (1/ 84 - 85).
6) صحيح ابن حبان – كما في الإحسان – (12/ 420).
7) فتح الباري (5/ 183).
8) تأويل مختلف الحديث ص (319).
9) نقض التأسيس ج3 (مخطوط).
10) ميزان الاعتدال (1/ 603).
11) نقض التأسيس ج3 (مخطوط).
12) سير أعلام النبلاء (14/ 374).
13) نقض التأسيس ج3 (مخطوط).
ـ[العوضي]ــــــــ[16 - 07 - 05, 08:24 ص]ـ
القول الثاني: أن الضمير يعود إلى آدم.
¥