وقال شيخ الإسلام: (أجمع السلف أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؛ ومعنى ذلك أنه قول القلب وعمل القلب، ثم قول اللسان وعمل الجوارح (7).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: (أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل. ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعة كلها عندهم إيمان، إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه، فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانا، قالوا إنما الإيمان التصديق والإقرار. ومنهم من زاد: المعرفة، …إلى أن قال رحمه الله وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر، منهم مالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان الثوري والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وداود بن علي، وأبو جعفر الطبري، ومن سلك سبيلهم، فقالوا: الإيمان قول وعمل، قول باللسان وهو الإقرار، واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح مع الإخلاص بالنية الصادقة. قالوا: وكل ما يطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة، فهو من الإيمان.) (8).
وذكر ابن تيمية رحمه الله أيضا قول الإمام الشافعي: (كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر) (9).
قال ابن القيم في نونيته:
وأشهد عليهم أن إيمان الورى قول وفعل ثم عقد جنان (10)
وقال ابن حزم بعد أن أورد الآراء في مفهوم الإيمان الشرعي: (والقول الصحيح، هو قول الجمهور أهل الإسلام ومذهب الجماعة وأصحاب الآثار: أن الإيمان عقد وقول وعمل) (11).
يقول الإمام الطبري في تفسير "أولئك الذين صدقوا" (12): من آمن بالله واليوم الآخر ونعتهم النعت الذي نعتهم به في هذه الآية، يقول فمن فعل هذه الأشياء فهم الذين صدقوا؛ وروى بسنده عن الربيع بن أنس أنه قال: (أولئك الذين تكلموا بكلام الإيمان فكانت حقيقته العمل، صدقوا الله)، وقال رحمه الله: وكان الحسن يقول: (هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل فإن لم يكن مع القول فلا شيء). اهـ (13)
أما الأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن النجاة المحققة لمن قال لا إله إلا الله، فيجب جمعها مع أخواتها ولا يجوز أن تفهم بمعزل عن الآيات والأحاديث الأخرى. إذ أنه لو كان الإقرار كافيا ما كان لزيادة الإيمان معنى، ولما نزلت كل هذه التشريعات والأحكام ولكانت عبثا، وهذا ممتنع. فأمروا بالشهادة وحدها عندما لم يكن أمر غيرها، وكلما نزل تشريع جديد طولبوا به، ودخل في مسمى الإيمان حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة ألا إله إلا الله لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا الخمس من المغنم" (14). حتى كان الإيمان بضع وستون شعبة فصار بضع وسبعون شعبة.
وأحسِنْ بما قاله الإمام الآجري في "الشريعة" مختصرا وقاله الإمام أبو عبيد في "الإيمان " (15) بزيادة تفصيل، مدللا على تنجيم نزول الإيمان كما نُجِّم نزول القرآن. وإليك ما قاله الآجري: (فاعلموا ـ رحمنا الله تعالى وإياكم ـ: أن الله عز وجل بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، ليقروا بتوحيده، فيقولوا " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فكان من قال هذا موقنا من قلبه، ناطقا بلسانه أجزأه، ومن مات على هذا فإلى الجنة، فلما آمنوا بذلك، وأخلصوا توحيدهم، فرض عليهم الصلاة بمكة، فصدقوا بذلك، وآمنوا وصلوا.
ثم فرض عليهم الهجرة، فهاجروا، وفارقوا الأهل والأوطان.
ثم فرض عليهم بالمدينة الصيام فآمنوا وصدقوا وصاموا شهر رمضان.
ثم فرض عليهم الزكاة، فآمنوا وصدقوا، وأدوا ذلك كما أمروا.
ثم فرض عليهم الجهاد. فجاهدوا البعيد والقريب، وصبروا وصدقوا.
ثم فرض عليهم الحج. فحجوا، وآمنوا به.
فلما آمنوا بهذه الفرائض، وعملوا بها تصديقا بقلوبهم، وقولا بألسنتهم، وعملا بجوارحهم، قال الله عز وجل " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (16) وقال عز وجل " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين" (17)، وقال عز وجل "إن الدين عند الله الإسلام" (18). ثم قال بعد ذلك: ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته شرائع الإسلام، حالا بعد حال… وهذا رحمكم الله تعالى طريق المسلمين (19) اهـ
¥