وقال ابن كثير في تفسيرها ـ أي"أولئك الذين صدقوا"ـ: (أي هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال فهؤلاء الذين صدقوا) (20)
- ومن الأدلة التي تدل على أن الأعمال تدخل في مسمّى الإيمان:
قول الله سبحانه:" وما كان الله ليضِيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم" (21) ولم يختلف المفسرون أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة المشرفة، فسمى الصلاة إيمانا.
وكذلك ما جاء في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس: " آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة ألا إله إلا الله لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا الخمس من المغنم" (22).
وقوله " الحياء شعبة من الإيمان" الصحيحين (23) وغيرهما عن أبي هريرة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "البذاذة من الإيمان" (24).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "حسن العهد من الإيمان" (25).
- العمل: عمل القلب وعمل الجوارح، والقول: قول القلب واللسان:
يقول ابن القيم رحمه الله: (إن الإيمان قول وعمل، والقول قول القلب واللسان والعمل عمل القلب والجوارح، وبيان ذلك أن من عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمنا كما قال عن فرعون: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم" (26)، وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح: "وعادًا وثمودًا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين" (27) وقال موسى لفرعون: "لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر" (28)، فهؤلاء حَصَل قول القلب وهو المعرفة والعلم، ولم يكونوا بذلك مؤمنين. وكذلك من قال بلسانه ما ليس بقلبه لم يكن بذلك مؤمنا بل كان من المنافقين، وكذلك من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمنا حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة. فيحب الله ورسوله ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته والتزام شريعته ظاهرا وباطنا، وإذ فعل هذا لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به) اهـ (29)
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (فأما قول القلب فهو التصديق الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويدخل فيه الإيمان بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم الناس في هذا على أقسام: منهم من صدق به جملة ولم يعرف التفصيل، ومنهم من صدق جملة وتفصيلا، ثم منهم من يدوم استحضاره وذكره لهذا التصديق، ومنهم من يغفل عنه ويذهل، ومنهم من استبصر فيه بما قذف الله في قلبه من نور الإيمان، ومنهم من جزم به لدليل قد تعترض فيه شبهة أو تقليد جازم وهذا التصديق يتبعه عمل القلب، وهو حب الله ورسوله وتعظيم الله ورسوله، وتعزير الرسول وتوقيره وخشية الله والإنابة إليه والإخلاص له والتوكل عليه، إلى غير ذلك من الأحوال؛ ويتبع الاعتقاد قول اللسان، ويتبع القلب الجوارح من الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك) (30)
• وذهب أبو منصور الماتوريدي رحمه الله وهو المروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه الى أن العمل ركن زائد ليس بأصلي (31).
• وذهب الكرّامية الى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط. فالمنافق عندهم مؤمن في الدنيا على الحقيقة مستحق للعقاب الأبدي في الآخرة (32). وقولهم ظاهر البطلان.
• وذهب الجهم بن صفوان (33) وأبو الحسين الصالحي وهو مشهور قولي أبي الحسن الأشعري إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب فقط. وهذا القول عين الضلال، يقول سبحانه:" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" (34)، وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، ولم يكونوا مؤمنين به.
- الإيمان يزيد وينقص:
واعلم أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فلذلك على المرء أن يتفقد أحوال إيمانه، ويقبل على إطاعة ربه بعمل ما يحبه ويرضاه، ويرمم ما نقص منه ويشد يده بغرز الرفقة الصالحة المُصلحة التي تصدقه القول والفهم، وتذكره بالله إذا نسي، وتنير بصيرته إذا عمي، فذاك الذي يُسْلمه من هوى نفسه، ويبعده عن سَيّء ميول قلبه، وعن رصد الشيطان ووحيه.
¥