الله تعالى للإثبات بلا تحريفٍ ولا تكييفٍ ولا وقوفٍ فقد وقع على الأمر المطلوب منه إن شاء الله …
وختم رسالته بقوله: فرحم الله عبداً وصلت إليه هذه الرسالة ولم يُعاجلها بالإنكار، وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل والنهار، وتأمل النصوص في الصفات، وفكر بعقله في نزولها وفي المعنى الذي نزلت له وما الذي أُريد بعلمها من المخلوقات، ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفةُ الرب تعالى بها، والتوجه إليه منها، وإثباتها له بحقائقها وأعيانها كما يليقُ بجلاله وعظمته بلا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل
ولا جمود ولا وقوف، وفي ذلك بلاغ لمن تدبر، وكِفايةٌ لمن استبصر … «[انظر رسالته ضمن الرسائل المنيرية (1/ 174 –
وقد مرَّ معنا شيئاً من كلامه في الوقفة الرابعة.
وأما ذِكرُ الدكتور لبعض العلماء ونسبته لهم إما إلى الأشاعرة أو الماتريدية فلا يدل ذلك على أن كُل علماء الأمة كذلك، و ذكرنا أنه قد يقع من بعض العلماء زلات وأخطاء، وليس معنا هذا أن نوافقهُ في خطئه بل نُنبه عليه، ونُحذر من ذلك الخطأ وخاصةً إذا كان هذا الخطأ في أمور الاعتقاد، ومعلومٌ بالاضطرار من دين الإسلام أن خير القرون في كُلِّ فضلٍ وعلمٍ وفهمٍ أنهم القرون الثلاثة والصاحبة رضوان الله عليهم لهم النصيب الأعظم من ذلك ثم التابعون لهم بإحسان من بعدهم، ولم يقع منهم خلاف في شيءٍ من أمور الاعتقاد ولله الحمد، وأما العصور المتأخرة فليست كذلك، وقد نبَّه العُلماءُ الجهابذة على الأخطاء العقدية التي يقع فيها كثير من المنتسبين للعلم، فمثلاً الحافظ ابن حجر العسقلاني وقع في أخطاء في العقيدة في شرحه المسمى: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ونبَّه على أخطائه العلماء والأئمة أتباع السلف أهل السنة والجماعة بدون تجريحٍ لهُ ولا ذم متبعين في ذلك قولهُ صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فلهُ أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد، مع أن أمور الاعتقاد لا اجتهاد فيها بل نؤمنُ بها، ونهتدي بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم فيها، وممن نبَّه على أخطاءه:
أ - العلامة المحدث الشيخ عبدالله بن محمد الدويش رحمه الله تعالى الذي كان يحفظ الكتب الستة بأسانيدها، وكتابهُ مطبوع.
ب – سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى وتعليقاته مطبوعة في حاشية فتح الباري.
ج – الشيخ العلامة عبدالله بن سعدي الغامدي، وكتابه مطبوع.
الوقفة الثالثة عشر
قول الدكتور:» والإخوة الذين يذمون الأشاعرة بإطلاق مخطئون متجاوزون… «
وقول الدكتور:» فالأشاعرة فئة من أهل السنة والجماعة، ارتضتهم الأمة … «
[1] أنَّ الذم لا يكون إلا بمخالفة شيءٍ من الشرع الحنيف وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده رضي الله عنهم، وخاصةً إذا كان من
أمور الاعتقاد، فمن خالف شيئاً من ذلك فهو مذموم.
[2] أن الأشاعرة قد ذمهم علماءٌ كبار من الشافعية وغيرهم، ولذلك لما ألف الإمام شيخ الحرمين أبو الحسن محمد بن عبدالملك الكرجي الشافعي
كتابه:» الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لذوي البدع والفضول «أنه لم يعتمد إلا على أقوال أئمة السلف وذكرَ منهم: الشافعي، ومالك والثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري صاحب الصحيح، وسفيان بن عُيينة، وعبدالله بن المبارك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإسحق بن راهوية، فذكرَ فيه أقوالهم في أصول السنة ما يُعرفُ به اعتقادهم، وذكر في تراجمهم ما فيه التنبيه على مراتبهم ومكانتهم في الإسلام، وذكر أنه اقتصر في النقلِ عنهم دون غيرهم لأمرين عظيمين:
أحدهما: لأنهم هم المقتدى بهم والمرجوعِ شرقاً وغرباً إلى مذاهبهم، ولأنهم أجمع لشرائط القدوة والإمامة من غيرهم، وأكثر لتحصيل أسبابها وأدواتها: من جودة الحفظ والبصيرة والفطنة والمعرفة بالكتاب والسنة والإجماع والسند والرجال والأحوال ولُغات العرب ومواضعها والتاريخ والناسخ والمنسوخ والمنقول والمعقول والصحيح والمدخُول، مع الصدق والصلابة وظهور الأمانة والديانة ممن سواهم …
والثاني:أن في النقل عن هؤلاء إلزاماً للحجة على كلِّ من ينتحلُ مذهب إمامٍ يُخالفهُ في العقيدة؛فإن أحدهما لا محالة يُضلِّلُ صاحبه أو يُبدعه أو يُكفره،
¥