ليس راجحًا بل هو الواقع؛ ولكنَّه لم يثبت الصَّفات الاختياريَّة؛ لذلك كان رجوعه إلى جملة مذهب أهل السّنَّة. ولم يكن رجوعًا كاملاً؛ ولعلَّ هذا الَّذي جعلَ البربهاريَّ لا يقبل منه كتابّ الإبانة. والله أعلم.
وقولك: (وأرى والله أعلم أن القول بتبديع وتكفير الأشاعرة يؤدي إلى الشقاق والفرقة، بل إلى استثارة الفتنة) يعني نسكت على من خالف السّنّة من أجل عيون أهل البدع، يا أخي هذا كلام فكري حركي، ليس له من العلم نصيب؛ يشبه قول من قال: (نجتمع فيما اتَّفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه؟!؟!).
ثمَّ هل بُعثَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا لتفريق مثل هذه الصُّفوف، وتنقية صفِّ المخلصين الموحِّدين.
والأحكام لا تبنى على ما تراه يا أخي الفاضل؛ بل على الكتاب والسُّنَّة.
قولك: (فكيف يقال بهلاكهم وكفرهم)
لم نقل بهلاكهم ولا بكفرهم، ولكن نعامل الدَّاعين إلى التَّمشعر، والمقرِّرين له؛ بتصنيف كتب في هذه العقيدة المرذولة معاملة أهل البدع، ويردّ عليهم، ويناصحون.
بل العالم إذا لم يدعوا، ولم يتعصَّب، وكان يستدلُّ على اعتقاده بالكتاب والسُّنَّة، ولكنَّهُ وافق الأشاعرة في بعض مقالاتهم؛ كقولهم في الإيمان، أو الصِّفات = لم يحكم بأشعريَّتِهِ، ولكن يقال فيه أشعريَّة، ويعذر لعلَّ هذا الَّذي وصله من العلم.
فالأشاعرة لا يستدلُّون بالكتاب والسُّنَّة على ما يعتقدون، بل يستدلُّون بالقواعد المنطقيَّة والأصول الفلسفيَّة. والَّذين لا يدعون إلى التَّمشعر ويوافقونهم في بعض معتقداتهم لا يصدرون إلا عن الكتاب والسّنّة.
فمدار الأمرِ إذن على مصادر التَّلقِّي عند المحكومِ عليه.
أمَّا عوامُّهم فأمرهم إلى الله إذا ماتوا؛ كما قالت اللَّجنة الدَّائمة. ويصلَّى عليهم ويدعى لهم بالمغفرة.
واعلم أخي الكريم أنَّي لم أقل هذا الكلام من عند نفسي، أو من خيالاتي، وإن شئت فارجع لكبار أهل العلم.
وهذا مثال على أحد تقرير دعاة الأشعريَّة –رحمه الله- لمذهبهم الباطل، وذلك قبل توبته:
قال الغزَّاليُّ في قَواعِدِ العَقَائِدِ (1/ 35):
(الأَصْلُ الخَامِسُ
العِلْمُ بِأَنَّهُ تَعالى لَيْسَ بِجَوْهَرٍ يَتَحَيَّزُ، بَل يتعالى وَيَتَقَدَّسُ عَن مُنَاسَبَةِ الحَيِّزِ.
وَبُرْهَانُهُ أَنَّ كُلَّ جَوْهَرٍ مُتَحَيِّزٍ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِحَيِّزِهِ، وَلا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُوْنَ سَاكِنًا فِيْهِ، أَوْ مُتَحَرِّكًا عَنْهُ، فَلا يَخْلُو عن الحَرَكَةِ أَوِ السُّكُونِ؛ وَهُمَا حَادِثَانِ. وَمَا لا يَخْلُو عَنِ الحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ.
ولو تُصُوِّرَ جَوْهَرٌ مُتَحَيِّزٌ قَدِيْمٌ لكان يُعْقَلُ قِدَمُ جَوَاهِرَ العَالَمِ فَإِنَّ سَمَّاهُ مُسَمٍّ جَوْهَرًا ولم يُرِدْ بِهِ المُتَحَيَّزُ كان مُخْطِئًا من حيث اللَّفْظ لا من حيث المعنى)
ثُمَّ قال:
(الأصل السابع
العلم بأن الله تعالى مُنَزَّهٌ الذَّاتِ عن الاختصاصِ بالجهاتِ.
فَإِنَّ الجهةَ إِمَّا فَوْقَ، وَإِمَّا أّسفل، وأَمَّا يَمِيْنُ، وإما شمال، أو قدام، أو خلف.
وهذه الجهاتُ هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خلق الإنسان، إذ خلق له طرفين:
أحدهما يعتمد على الأرض ويسمى رِجْلا.
والآخر يقابله ويسمى رَأْسًا.
فحدث اسم الفوق لِمَا يلي جهة الرأس، واسم السُّفْلِ لما يلي جهة الرِّجْلِ.
حتى إن النملة التي تَدِبُّ مُنَكِّسَةً تحت السّقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحتًا وإن كان في حَقِّنَا فوقا.
وَخَلَقَ للإنسان اليدين، وإحداهما أقوى من الأخرى في الغالب، فحدث اسم اليمين للأقوى، واسم الشمال لما يقابله.
وَتُسمَّى الجهة الَّتِي تلي اليمين يمينا، والأخرى شمالا.
وَخَلَقَ له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرك إليه؛ فحدث اسم القُدَّامِ للجهة الَّتي يَتَقَدَّمُ إِلَيْهَا بالحركةِ. واسمُ الخَلْفِ لما يقابلها؛ فالجهات حادثة بحدوث الإنسان ولو لم يخلق الإنسان بهذه الخلقة بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود ألبتة.)
إلى آخر التَّشبيه الَّذي وقع فيه -عفا الله عنه ورحمه-. وإنَّما وقع في التَّعطيل والتَّحريف بعدما ظنَّ أنَّ المخلوق يقاس بالخالق. نسأل الله العافيةَ والسَّلامةَ.
وأين الغزَّالي من قول الله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:18)
وقوله: (ولو لم يخلق الإنسان بهذه الخلقة بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود ألبتة)
يلزم منه أنَّا لسنا فوق الكرة الأرضيَّةِ؛ وهذا مضحكٌ مبكي، يا ليت شعري لِمَ تركَ الكتاب والسّنّة. واعتمد على قواعد أرسطو وأفلاطون؟؟!!
وقولك: (فلا يمكن إطلاق الحكم؛ لأن في هذا الزمان الذي نعيش فيه لا يوجد تعريف محدد ودقيق للأشاعرة يجمعهم في صعيد واحد)
هذا قولٌ بلا علم، فاتَّقِ الله فيما تكتب.
ونقلك عن شيخ الإسلامِ أن المجتهد المتأول في اجتهاده يثاب عليه، ليس هذا في الأشاعرة؛ بل هو فيمن أخطأ من أهل السُّنَّة، وليتك تتأكَّد من قصد من تنقل عنه.
ويلزمك أنَّ أهل البدع يثابون على خطأهم وتأوُّلِهم. وبهذا تنقلب بدعهم إلى طاعات.
لم يقصد شيخ الإسلام هذا كما فهمته، ولا أظنَّك تدين الله بهذا.
وباقي الكلام فيه تخليط شديد، ولعلَّ ما كتب يكفي إن شاء الله.
هذا ما عندي وإنِّي أنصحك وغيرَك بعدم الخوض في المسائل الكبار بالتَّخمين والظَّنِّ، أو بفهم كلام أهل العلم على غير وجهه.
و اعلم أنَّ ما تكتبه ستحاسب عليه، إن خير فخير وإن شرًّا فشرّ.
أخوكم/ أبو عليّ
¥