تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن كلا من مسلم (حديث رقم 2266)، وأبي داود (حديث رقم 5023)، و أحمد

(5/ 306)، أخرجوا الحديث بإسناد البخاري الذي فيه اللفظ المذكور بلفظ فسيراني في اليقظة.

أو لكأنما رآني في اليقظة

وهذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ:

فكأنما رآني أو فقد رآني

لأن كلا منهما ورد في روايات كثيرة بالجزم وليس فيها شيء شك فيه الراوي.

وعند الترجيح ينبغي تقديم رواية الجزم على رواية الشك.

ثالثاً:

إذا علمنا أنه لم يرد عند مسلم ولا عند أبي داود غير رواية الشك

أدركنا مدى تدليس السيوطي حين قال في "تنوير الحلك":

(وتمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك:

أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله:

من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي)

فأوهم أن مسلماً وأبا داود أخرجا الحديث برواية الجزم

وأغفل جميع روايات البخاري الأخرى التي خلت من هذا اللفظ.

رابعاً:

ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/ 400)

أنه وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة فقد رآني في اليقظة

بدل قوله: فسيراني.

وهذه الأمور مجتمعة تفيد شذوذ هذا اللفظ

ولعل الحافظ ابن حجر أشار إلى ذلك ضمناً حين قال:

(وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية- بعيني الرأس حقيقة).

ونقل عن المازري قولهإن كان المحفوظ فكأنما رآني في اليقظة فمعناه ظاهر).

هذا ما يتعلق بالحديث رواية

وإن تعجب فعجب استدلال هؤلاء بهذا اللفظ الشاذ

على تقرير إمكان رؤية النبي في اليقظة ووقوعها مع اتفاقهم على:

أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقيدة.

أما ما يتعلق به دراية فنقول:

لو فرضنا أن هذا اللفظ فسيراني هو المحفوظ

فإن العلماء المحققين لم يحملوه على المعنى الذي حمله عليه الصوفية.

قال النووي في شرحه (15/ 26):

(فيه أقوال:

أحدها:

أن يراد به أهل عصره

ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته في اليقظة عياناً.

وثانيها:

أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة

لأنه يراه في الآخرة جميع أمته.

وثالثها:

أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك).

ونقل الحافظ ابن حجر هذه الأقوال

بعدما ذكر القول بحمله على الرؤية بالعين المجردة

وحكم على القائلين به بالشذوذ.

وجملة القول

أن إدعاء إمكان رؤيته في اليقظة ووقوعها

مذهب ضعيف مرجوح وذلك من وجوه:

الوجه الأول:

اختلاف القائلين به في المقصود بالرؤية

وهل هي رؤية لذاته على الحقيقة

أورؤية لمثال لها

نقله السيوطي في "نوير الحلك" ضمن "الحاوي للفتاوى" (2/ 263)

ثم قال:

(الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني، وبه صرح الغزالي فقال: ليس المراد أنه

يرى جسمه وبدنه بل يرى مثالاً له).

ثم نقل عن ابن العربي واستحسن قوله:

(رؤية النبي بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال)

ثم قال السيوطي:

(ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحه

وذلك لأنه وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا

وأذن لهم بالخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي)!!.

أقول: إذا كان أرباب الأحوال الذين رآهم السيوطي - على كثرتهم -

يقولون إن النبي لا يرى بروحه وجسمه بل يرى مثال له فقط

فكيف يدافع السيوطي عنهم ويخالفهم في الوقت نفسه؟

الوجه الثاني:

أنهم اختلفوا أيضاً هل هذه الرؤية تكون بالقلب أو بالبصر؟

أشار السيوطي إلى ذلك ثم اضطرب اضطراياً شديداً

حين قال في نفس المصدر:

(أكثر ما تقع رؤية النبي في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر)

فإلى هنا يبدو أنه قصد الجمع بين القولين

ثم قال:

(لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض

وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني …).

الوجه الثالث:

أن بعض كبار الصوفية ينفي وقوع رؤية النبي في اليقظة.

فيقول أبو القاسم القشيري في "الرسالة القشيرية" (باب رؤيا القوم) (ص368):

(وقال بعضهم: في النوم معان ليست في اليقظة

منها: أنه يرى المصطفى والصحابة والسلف

الماضين في النوم ولا يراهم في اليقظة) اهـ.

وقد يقول قائل:

إن هذا نقله القشيري عن بعضهم ولا ندري هل هم من الصوفية أو من غيرهم؟

والجواب:

أ- أن القشيري نفسه من كبار الصوفية وقد نقل العبارة وأقرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير