من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة).] "فتح الباري" (12/ 385)
والإنكار الذي أشار إليه ابن حجر هو قول القرطبي:
(اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء
وهذا قول يُدرك فساده بأوائل العقول
ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها
وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين
وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه
ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء
فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب
لأنه جائز أن يُرى في الليل والنهار
مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره
وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل).
وممن أنكر على القوم رؤيتهم للنبي يقظة
القاضي أبوبكر بن العربي قال كما في "فتح الباري" (12/ 384):
(وشذ بعض القدرية فقال:
الرؤية لا حقيقة لها أصلاً وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس).
الوجه الخامس:
اضطراب مقالات القوم في كيفية الرؤية:
فلما اشتد الإنكار على هؤلاء القائلين برؤيته في الدنيا بعد وفاته يقظة لا مناماً
اضطربت مقالاتهم في كيفية تلك الرؤيا
فمنهم من أخذته العزة بالإثم فنفى الموت عن النبي بالكلية
وزعم أن موته هو تستره عمن لا يفقه عن الله.
- ومنهم من زعم أنه يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه
ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته.
عمر الفوتي "رماح حزب الرحيم" (1/ 210) بهامش "جواهر المعاني" [.
- ومنهم من زعم أن له مقدرة على التشكل والظهور في صور مشايخ الصوفية.
عبدالكريم الجيلي "الإنسان الكامل" (2/ 74 - 75)
وفريق لان بعض الشيء:
- فمنهم من زعم أن المراد برؤيته كذلك يقظة القلب لا يقظة الحواس الجسمانية.
الشعراني"الطبقات الكبرى" نقلاً عن محمد المغربي الشاذلي
- ومنهم من قال إن الاجتماع بالنبي
يكون في حالة بين النائم واليقظان.
الشعراني "الطبقات الصغرى" (ص89) [.
- ومنهم من قال إن الذي يُرى هي روحه.
محمد علوي المالكي"الذخائر المحمدية" (ص259)
"القرب والتهاني في حضرة التداني شرح الصلوات"
لفؤاد الفرشوطي (ص25).
وعليه فبعد أن ظهر تفرد تلك الرواية
التي استدل بها القوم عن روايات الجمهور
وتلك الاحتمالات التي تأولها أهل العلم في المراد بمعناها
وتلك الإشكالات والإنكارات
التي وردت على المعنى الذي قصده القوم
واضطراب مقالاتهم في كيفية تلك الرؤيا
بلك ذلك يسقط استدلالهم بها
والقاعدة المشهورة في ذلك:
إذا ورد على الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال)
انتهى كلام الشيخ الصادق بن محمد بن إبراهيم – جزاه الله خيراً-.
* * * *
كما رد الشيخ محمد أحمد لوح - حفظه الله - في كتابه العجاب
"تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/ 39 - 52)
على من يستدل بقول النبي: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة
على إمكانية رؤية النبي يقظة بقوله:
(أما رواية: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة
لابد من إلقاء ضوء كاشف على الحديث
رواية ودراية حتى نعرف قدر هذا اللفظ الذي استدل به أولئك على إمكانية رؤية النبي في اليقظة:
1 - أما الحديث فقد رواه اثنا عشر من أصحاب رسول الله أو يزيد
مما يدل على شيوعه واستفاضته.
2 - أن ثمانية من أئمة الحديث المصنفين اهتموا بهذا الحديث فأخرجوه في كتبهم
مما يؤكد اهتمامهم به وفهمهم لمدلوله
ومع ذلك لم يبوب له أحد منهم بقوله مثلاً:
باب في إمكان رؤية النبي في اليقظة
ولو فهموا منه ذلك لبوبوا به أو بعضهم على الأقل
لأنه أعظم من كل ما ترجموا به تلك الأبواب.
3 - أن المواضع التي أخرجوا فيها هذا الحديث بلغ (44) موضعاً
ومع كثرة هذه المواضع
لم يرد في أي موضع لفظ " سيراني في اليقظة "
بالجزم
إلا في إحدى روايات البخاري عن أبي هريرة.
أما بقية الروايات فألفاظها:
فقد رآني أو فقد رأى الحق أو فكأنما رآني في اليقظة
أو فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة بالشك.
وبالنظر في ألفاظ الحديث ورواياته
نجد ملاحظات على لفظ فسيراني في اليقظة
لا ريب أنها تقلل من قيمة الاستدلال بها وهذه الملاحظات هي:
أولاً:
أن البخاري أخرج الحديث في ستة مواضع من صحيحه:
ثلاثة منها من حديث أبي هريرة، وليس فيها لفظ فسيراني في اليقظة إلا في موضع واحد.
ثانياً:
¥