ووجه ذلك أنه أمر أيضا بقوله ?وَأَحْسِنُوا? ووجه الاستدلال أن الامتثال لهذا الأمر يكون حادثا والله جل وعلا يحب المحسنين، وقوله ?يُحِبُّ? فيها إثبات صفة (المحبة) لهؤلاء الذين تحققوا بالإحسان، وهو جل وعلا يحبهم قدرا، كتب محبتهم لما سيفعلونه وهو يحبهم إذا فعلوا أيضا.
كذلك فيها التعليل والحكمة، التعليل في قوله ?إِنَّ?، ?وَأَحْسِنُوا إِنَّ? مجيء (إن) بعد الأمر هذا فيه التعليل والحكمة في ذلك أيضا، يعني التعليل والحكمة متصلان.
وقال *شيخ الاسلام ابن تيمة* بعد ذلك (وَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ أَفْعَالِ اللهِ بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ) *يقصد بهم اهل السنة والجماعة*
وغيرهم، وهذا الباب الذي هو باب أفعال الله يأتي بيانه في القدر مفصلا ونقول هنا إن أهل السنة في باب أفعال الله وسط بين الجبرية والقدرية، والجبرية قسمان:
- جبرية الظاهر والباطن.
- وجبرية الباطن.
فجبرية الظاهر والباطن هم الجهمية والجبرية المشهورون بقولهم إن الإنسان في أفعاله كالريشة في مهب الريح ليس له اختيار البتة بل هو كالهباءة والريشة تلعب بها الريح كيف شاءت فهؤلاء جبرية الظاهر والباطن وهم الجهمية وغلاة الصوفية.
والطائفة الأخرى جبرية الباطن لا الظاهر، يقولون في الظاهر مختار وفي الباطن مجبور، وهذا قول الأشاعرة.
ولأجل هذا التفريق اخترع أبو الحسن الأشعري لفظ الكسب وقال أفعال العباد كسب لهم.
كسب يعني: تضاف إليهم وإلا فالفاعل هو الله.
وهم لا يضاف إليهم الفعل حقيقة وإنما يضاف إليهم الفعل مجازا.
هو في الباطن مجبور في الظاهر مختار.
ما وظيفته؟
قال هو كالسكين في يد القاطع وعمله القطع.
والقطع فعل العبد والسكين آلة وحامل السكين الذي يمرها على الشيء الذي يراد قطعه هو الفاعل
فالفاعل حقيقة هو الله والمفعول يعني الفعل الذي حصل الذي فعله في الحقيقة هو الله.
والإنسان آلة فُعِل بها أو أضيف إليها الفعل وصار مكسوبا له.
ولهذا قال أهل العلم (مما يقال) يعني قال بعض أهل العلم:
مما يقال ولا حقيقة تحته
معقولة تدنو لذي الأفهامِ
الكسب عن الأشعري والحال عنـ
ـد البهشمي وطفرة النظّامِ
ثلاث ما لها حقيقة، ولهذا اختلف الأشاعرة الذين يقولون بالجبر في الباطن في تفسير الكسب الذي اخترعه أبو الحسن الأشعري إلى اثني عشر قولا مذكورة في الشروح المطولة للجوهرة وغيرها.
يأتي تفصيل الكلام إن شاء الله في موضعه.
المقصود أن الجبرية قسمان جبرية الظاهر والباطن وجبرية الباطن فقط والظاهر يقولون هو مختار.
فالجبرية قالوا إن القدرة والقدر هو الذي يجري والعبد ليس قادرا على شيء أصلا بل القادر هو الله جل وعلا فهو الذي يفعل ما يشاء والعبد مجبور.
والقدرية ناقضوهم كما ذكرت لك.
أهل السنة قالوا العبد يفعل الفعل حقيقة والذي خلق فعله هو الله جل وعلا لأن الله جل وعلا يفعل ما يشاء ويخلق ما يشاء وهو جل وعلا خالق كل شيء وقد قال جل وعلا ?وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ? يعني وعملكم.
فالعبد يفعل الفعل وفعله له حقيقة لأنه اختار هذا الفعل وقَدِرَ عليه فوجه إرادته وقدرته إليه فالفعل ينسب إليه حقيقة لكن ليس ثم خالق إلا الله جل وعلا فالله هو الذي خلق فعل العبد.
والعبد مختار ولا يشاء شيئا فيقع إلا وقد شاءه الله جل وعلا فليس لأحد في ملكوت الله جل وعلا إجبار ولا اختيار بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وما شاءه العبد إذا شاءه الله كان وإذا لم يشأه الله لم يكن، كما قال ?وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ?.
فإذن أهل السنة يثبتون فعل العبد وأنه يفعل حقيقة لكن الخلق الله جل وعلا هو الخالق.
طبعا هذه المسألة عرضت لها بشيء من الاختصار والسرعة فقد لا تكون مفهومة من جميع جهاتها، يأتي تفصيلها إن شاء الله في الكلام على القدر بعد حين.
الجبرية طائفتان مشهورتان:
- الأولى غلاة الجبرية وهم الذين يقولون إن العبد مجبور على كل شيء وهو بمنزلة المقصور المضطر إلى الفعل فهو كالريشة في مهب الهواء وكحركة القلم في يد الكاتب، العبد مجبور ليس له اختيار، مسلوب بتاتا وهو مجبور ولا بد أن يفعل، هؤلاء الغلاة، غلاة الجبرية ومنهم الجهمية والصوفية وطوائف.
¥