- وهناك متوسطون في الجبر وهم الأشعرية والماتريدية.
وهؤلاء يقولون إن العبد مجبور باطنا لا ظاهرا.
مجبورٌ في الباطن لكن في الظاهر شكله شكل المُختار.
تَنْظُرُ إليه عنده قدرة وإرادة لكنه في الواقع في الباطن مجبور، وهذا معنى القَدَرْ عندهم أنه الجبر.
لكن هل هو مجبور ظاهرا؟
يقولون لا، مجبور باطنا.
إذا كان كذلك فما تقولون في فعل العبد؟ هل هو يفعل الفعل على ذلك عندكم حقيقة؟
قالوا لا، إذا كان مجبورا فمعناه أن الفعل ليس فعلا له حقيقة.
إذن فعل له على أي شيء؟
قالوا فعل له مجازي.
إذا كان كذلك فمن الذي فعل؟
قالوا الفاعل هو الله.
العبد ما مهمته؟
قالوا العبد محلٌ للفعل.
ما معنى محل الفعل؟
قالوا كما تكون السكين في يد القاطع يقطع بها الخبز.
فالسكين ظاهراً لمن رآها والخبز دون اليد المحركة، هي التي قطعت.
وفي الواقع هي محلٌ مجبورةٌ على أن تقطع.
فإذا قال كيف قُطع الخبز؟
يقال بالسكين.
لكن في الواقع من الذي حرك السكين؟
تحتاج إلى محرك.
فلهذا قال شيخ الإسلام هنا (سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ) فيكون جعلوا العبد بمنزلة الجمادات.
هنا الاجتماع هذا عندهم بين أنه يفعل الفعل مجاز كيف إذن تُنسب له الأعمال؟
وكيف يحاسب على العمل إذا هو مجبورا عندهم، يعني عند الأشاعرة والماتريدية الجبرية المتوسطة؟
قالوا العبد يَكْسِبُ فعله فللعبد كَسْبٌ وهو مجبور على هذا الكَسْبْ.
ما تعنون بالكسب؟
أنتم تقولون لا يفعل حقيقة وإنما هو بمنزلة السكين، كيف يكون له كَسْبْ إذا كان مجبورا؟
اعترف عقلاؤهم وحذاقهم أنه لا مناص من الإجابة عن هذا السؤال.
وهذا الذي أوقع الأشعري في أن يُخْرِجَ الكَسْبْ، هذه اللفظة خرجت جوابا عن هذا الإشكال هذا الإيراد، وهذا الكَسْبْ ما تفسيره؟
الأشاعرة لهم في شروح عقائدهم اختلاف في تفسير الكسب إلى اثني عشر قولا ذُكِرَت في شروح الجوهرة وغيرها.
إذا كان اختلفوا في تفسيره على اثني عشر قولا معناه أن الشيء غير معروف، والذي ابتدعه الأشعري، ولهذا قال القائل:
مما يقال ولا حقيقة تحته
معقولة تدنو لذي الأفهامِ
الكسب عن الأشعري والحالُ عنـ
ـد البهشمي وطَفْرَةُ النظّامِ
فهناك ثلاثة أشياء اخترعها أصحابها لا وجود لها في الواقع إنما هي موجودة في أذهان أصحابها، شيء لا حقيقة له، لهذا قال:
مما يقال ولا حقيقة تحته
معقولة تدنو لذي الأفهامِ
الكسب عند الأشعري
هذا الكسب الذي قاله أن العبد يفعل مجازا هو مجبور في الباطن.
في الظاهر مختار مجبور في الباطن.
وينسب له العمل كسبا ويحاسب عليه كسبا وهو مجبور.
هذا شيء لا يُفهم، ولهذا ما حقيقة هذا الكسب حتى يُحاسِبْ الله العبد عليه؟
اختلفوا فيه إلى اثني عشر قولا وكلها أقوال متضاربة، فمعنى ذلك أنهم اخترعوا شيئا وقعدوه وهم لم يفسروه بتفسير يتفقون هم عليه وهم أهل هذا القول وهذا من أدلة بطلان المسائل كما دَلَّنا ذلك على بطلان قول أبي هاشم في الحال والطفرة عند النَّظَّام.
إذن هذا خلاصة لمذهب الجبرية المتوسطة ولهذا يستعملون كثيرا لفظة الكسب (وهذا من كسبه) (والعبد يكسب الفعل) ويكثرون من هذه اللفظة لأجل هذه العقيدة عندهم.
وأهل السنة والجماعة يستعملون كثيرا بل يستعملون دائما لفظ (فَعَلَ العبد) (عَمِلَ العبد) (صلى العبد) ما يقولون (كسب العبد كذا).
ما ورد من لفظ الكَسْبْ في القرآن وفي السنة لا يُعني به طبعا هذا المصطلح المحدث وإنما يُعنى به العمل، ?لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ? يعني لها ما عملت وعليها ما عملت من شر، لها ما كسبت من خير وعليها ما عملت من شر، فما ورد في القرآن أو في السنة من لفظ (كَسَبَ) فإنه يراد به العمل، أما (الكَسْبْ) الخاص، المصلح الخاص، فإنما حدث هذا بعد ثلاثة قرون وهذا شيء كما ذكرنا لا حقيقة له.
فإذن هؤلاء سلبوا العبد قدرته واختياره، قالوا لا يَقْدِرُ وإنما الله الذي فعل، لا يريد هو وإنما الله الذي أراد.
المعصية من الذي فعلها؟
هل الله جل وعلا هو الذي فعل المعصية؟
قالوا لا، الذي فعلها العبد مجازا، أُجْبِرَ عليها ففعل فصار محلا لهذا الشيء، بمنزلة الأشياء الجامدة.
¥