وهنا لا بد من التنبه إلى شيء مهم .. وهو أن الأصل ألا يقرر ابتداء إلا ما ثبت في النصوص، وأما نفي ما استفيد نفيه من إثبات نقيضه فهذا لا يقرر ابتداء -فيما أعلم من طريقة أهل السنة والجماعة- وإنما يذكر عند الحاجة .. فمثلا: البكاء صفة نقص ينزه الله عنها لمناقضتها كمال قدرة الله وقوته وعزته .. لكن لا يقرر ابتداء أن الله لا يبكي .. لكن إن اقتضى المقام ذلك فلا بد من البيان .. فإذا جاء يهودي وقرر ما افتراه اليهود -عليهم لعائن الله- من أن الله صارع داود فصرعه داود فبكى الله -سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا- حينئذ يتحتم أن يرد عليهم المسلمون بأن هذه الصفة منفية عن الله سبحانه .. والله تعالى أعلم.
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[20 - 01 - 08, 05:41 ص]ـ
شكر الله لك على هذه المداخلة الطيبة،
وعسى الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الحرص على معرفته وذكره.
أود أن أعلق على ثلاث نقاط:
أولا: لم أجد حتى الآن فيما تيسر لى مطالعته من تراث شيخ الإسلام أنه رحمه الله جعل تلك القاعدة (الإجمال في النفي) غير مطردة، بل صنيعه يدل على أنه اعتبرها قاعدة كلية مطردة في نصوص القرآن والسنة بحيث لا استثناء فيها بحال.
ثانيا: ما مراد شيخ الإسلام بالنفي المجمل؟ الذي يظهر لى حتى الآن أنه عنى به: نفي مماثلة المخلوقين جميعهم في شيء من خصائصه بحيث لا يكون مع الله شريك ولا مثيل ولا سمي (هكذا مجملا). وأما نفي ما يناقض أوصافه الكمالية الثابتة المفصلة، فذلك من " لواحق الإثبات ".
قال في التدمرية: (والله سبحانه: بعث رسله باثبات مفصل ونفي مجمل، فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل)؛
وقال كما في الفتاوى الكبرى: (ومن أبلغ العلوم الضرورية إن الطريقة التي بعث الله بها أنبياءه ورسله وأنزل بها كتبه مشتملة على الاثبات المفصل والنفي المجمل كما يقرر في كتابه وعلمه وقدرته وسمعه وبصره ومشيئته ورحمته وغير ذلك ويقول في النفي: {ليس كمثله شيء} {هل تعلم له سميا} {لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد} وعلى أهل العلم والإيمان اتباع المرسلين من الأولين والآخرين)؛
وقال في درء التعارض: (وكانت الكتب الإلهية قد جاءت بإثبات صفات الكمال على وجه التفصيل مع تنزيهه عن أن يكون له فيها مثيل بل يثبتون له الأسماء والصفات وينفون عنه مماثلة المخلوقات ويأتون بإثبات مفصل ونفي مجمل فيثبتون أن الله حي عليم قدير سميع بصير غفور رحيم ودود إلى غير ذلك من الصفات ويثبتون مع ذلك أنه لا ند له ولا مثل له ولا كفو له ولا سمي له)؛
وقال أيضا: (أخبر الله تعالى في كتابه بإثبات مفصل ونفي مجمل، والمعطلة الجهمية متكلمهم ومتفلسفهم أخبروا بإثبات مجمل ونفي مفصل. فأخبر في كتابه بأنه حي قيوم عليم قدير سميع بصير عزيز حكيم ونحو ذلك يرضى ويغضب ويحب ويسخط وخلق واستوى على العرش ونحو ذلك وقال ف يالنفي {ليس كمثله شيء} {ولم يكن له كفوا أحد} {هل تعلم له سميا}. فلهذا مذهب السلف والأئمة: إثبات صفاته بلا تمثيل لا ينفون عنه الصفات ولا يمثلونها بصفات المخلوقات)؛
وقال في المنهاج: (فهذه طريقة الرسل وأتباعهم من سلف الأمة وأئمتها إثبات مفصل ونفي مجمل إثبات صفات الكمال على وجه التفصيل ونفي النقص والتمثيل كما دل على ذلك سورة قل هو الله أحد الله الصمد. . . فاسمه الصمد يتضمن صفات الكمال. . . والأحد يتضمن نفي المثل عنه. والتنزيه الذي يستحقه الرب يجمعه نوعان: أحدهما نفي النقص عنه والثاني نفى مماثلة شيء من الأشياء فيما يستحقه من صفات الكمال فإثبات صفات الكمال له مع نفى مماثلة غيره له يجمع ذلك كما دلت عليه هذه السورة)؛
وقال في الصفدية: (والرسل عليهم صلوات الله جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل، وهؤلاء ناقضوهم جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل. فإن الرسل أخبرت كما أخبر الله في كتابه الذي بعث به رسوله أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه حكيم عزيز غفور ودود وأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش وأنه كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا وأنه أنزل على عبده الكتاب، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته؛ وقال في النفي والتنزيه: ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفوا أحد، هل تعلم له سميا)
وقال في النبوات: (والقرآن اثبت الصفات على وجه التفصيل ونفي عنها التمثيل، وهي طريقة الرسل - جاءوا باثبات مفصل ونفي مجمل، وأعداؤهم جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل)؛
وقال رحمه الله في الجواب الصحيح: (فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال، وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل ونفوا عنه التمثيل. فأتوا بإثبات مفصل ونفي مجمل. فمن نفى عنه ما أثبته لنفسه من الصفات كان معطلا، ومن جعلها مثل صفات المخلوقين كان ممثلا. والمعطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما)
قلت: إذن، ليس للقاعدة عند شيخ الإسلام أي استثناء.
لكن ههنا ثلاثة أشياء:
1 - إثبات صفات الكمال له تعالى على وجه التفصيل،
2 - تنزيهه تعالى عن النقائص المناقضة لتلك الأوصاف الثابتة،
و3 - نفي أن يماثله غيره في شيء من صفاته.
فالأولان هو (الإثبات المفصل)، والأخير هو المراد بـ (النفي المجمل).
هذا، والمسألة بحاجة إلى تدقيق أكثر، والله الموفق للسداد. . .
¥