وأتركك أخي الكريم مع البحث، أسأل الله أن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره نفعا آخرويا، وسبحانك اللهم أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
ما جاء عن الصحابة في كفر تارك الصلاة مما يدل على
إجماعهم
لقد تنوعت آثار الصحابة في الدلالة على اتفاقهم في مسألة تارك الصلاة، وذلك من عدة جهات،
الواحدة منها تكفي في إثبات ذلك عنهم فكيف بها مجتمعة، وهي ثلاث جهات:
الجهة الأولى: ما جاء النقل فيه عن عامتهم من القول بذلك.
لقد جاء النقل عن عامة الصحابة بكفر تارك الصلاة، وذلك في أثرين صحيحين صريحين، وهما إلى جانب هذا لم يكونا باليتيمين، فمنّة الله عليهما عظيمة، والأنيس والقريب من كل جانب.
أما الأثران فإليك خبرهما:
أ ـ أثر جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
صح عن التابعي الجليل مجاهد بن جبر أنه قال:
" قلت لجابر بن عبد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله؟
قال: الصلاة "
الأثر أخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (893) وابن بطة في الإبانة (876) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 829).
كلهم من طريق يعقوب بن إبراهيم (بن سعد) قال: حدثني أبي عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبان بن صالح عن مجاهد بن جبر به.
وهذا إسناد كل رجاله ثقات على كلام في ابن إسحاق معروف لا ينزله عن مرتبة الاحتجاج، وقد صرح بالتحديث عن شيخه في جميع المصادر، ثم الراوي عنه إبراهيم بن سعد، وقد قال الإمام أحمد
عنه:
" كان ابن إسحاق يدلس، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماعا (1) قال: حدثني، وإذا لم
يكن قال، قال: قال " ا. هـ
ورواية ابن إسحاق هنا من طريق إبراهيم.
أما هذا الإسناد: محمد بن إسحاق حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر، فقد احتج به ابن حبان في صحيحه (4/ 268) (1420) وكذا ابن خزيمة (1/ 24) (58) عند روايتهما لحديث النهي عن استقبال القبلة ببول، ورُؤيته قبل موته بعام يستقبلها.
وبنفس الإسناد أخرجه أبو داود (18) وسكت عليه، وكذا الترمذي (9) وابن ماجه (325) والحاكم في مستدركه (1/ 157) مستدركا به على الصحيحين، وقال:
" هو على شرط مسلم " كما في تنقيح أحاديث التعليق (1/ 19)
وكرر ابن حبان الاحتجاج بهذا الإسناد في صحيحه (6/ 49) (2504) من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق به ... بذكر قصة سُليك الغطفاني.
وقد حكم ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 183) باتصال هذا الإسناد عند ذكره لحديث رواه مالك مرسلا، حديث الرجل الذي نذر أن لا يتكلم ولا يستظل، فقال:
" هذا الحديث يتصل عن النبي من وجوه، من حديث جابر ومن حديث ابن عباس .. وأظن والله أعلم (1) أن حديث جابر هو هذا [أي الذي ذكره مالك مرسلا]، لأن مجاهدا رواه عن جابر، وحميد بن قيس صاحب مجاهد
قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد ... عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر قال: كان أبو إسرائيل رجلا من بني فهر، فنذر ليقومن في الشمس " ا. هـ
وحكم باتصال هذا الإسناد أيضا الحافظ في فتح الباري (5/ 353) عندما علق البخاري أثر جابر في المكاتب، فقال الحافظ:
" وصله سفيان في كتاب الفرائض له من طريق مجاهد عن جابر " ا. هـ
ثم ذكره الحافظ في تغليق التعليق (3/ 315ـ414) بإسناده موصولا من طريق سفيان.
وقد وصله البيهقي في سننه (10/ 331) من طريق سفيان أيضا.
فرواية مجاهد عن جابر متصلة عند أئمة الحديث
وقد بين نوع اتصالها الإمام يحيى بن سعيد القطان عندما نقل عن صناع هذا الفن أنهم كانوا يَرون أن مجاهدا يحدث من صحيفة جابر.
وقد نقل هذا العلائي في جامع التحصيل (1/ 273)
والرواية مِن العدل المعروف، عن الصحيفة المعروفة لها حكم الاتصال، لأن العبرة بعدم وجود واسطة بينهما.
ويبدو أن صحيفة جابر كانت معروفة عندهم، فقد كان يحدث منها الإمام الشعبي أيضا كما في العلل الكبير (163)، وقتادة كما في التهذيب من ترجمته.
وعندما سأل الإمامُ الترمذي شيخَه البخاري عن حديث ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد بن جبر عن جابر بن عبد الله، في البول جهة القبلة كما في العلل الكبير ص: (23)
" سألت محمدا عن هذا الحديث فقال:
" هذا الحديث صحيح (2) رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق " ا. هـ
¥