تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن فَهِموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات الشَّبْعِ (1) صفات المخلوقين من الأعراضِ، فما يلزمونا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم به في هذه الصفات من العرضية، وما ينزهوا ربهم به في الصفات السبع وينفون عنه عوارض الجسم فيها، فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبونا فيها إلى التشبيه سواء بسواء، ومن أنصف عرف ما قلنا اعتقده وقبل نصيحتنا ودان الله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك، ونفى عن جميعها التشبيه، والتعطيل، والتأويل، والوقوف، وهذا مراد الله تعالى منا في ذلك لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد، وهو الكتاب والسنة، فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل، وحرفنا هذه وأوّلناها كُنَّا كمنْ آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى.

فصل

وإذا ظهر هذا وبان، انجلتْ الثلاث مسائل بأسرها، وهي مسألة الصفات من النزول، واليد، والوجه، وأمثالها، ومسألة العلو، والاستواء، ومسألة الحرف والصوت، أما مسألة العُلو فقد قيل فيها ما فتحه الله تعالى، وأما مسألة الصفات فتساق مساق مسألة العلو، ولا نفهم منها من صفات المخلوقين، بل يوسف الرب تعالى بها كما يليق بجلاله وعظمته، فَتُنْزَلُ كما يليق بجلاله وعظمته، ويداه كما تليق بجلاله وعظمته، ووجهه الكريم كما يليق بجلاله وعظمته، فكيف ننكِر الوجه الكريم ونحرف وقد قال صلى الله عليه وسلم في دعائه: ((أسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ)) (2).

وإذا ثَبَتَ صفة الوَجْهِ بهذا الحديث وبغيره من الآيات (3) والنصوص، فكذلك صفة اليدين (4)، والضحك (5)،

والتعجب (1)، ولا يفهم من جميع ذلك إلا ما يليق بالله- عز وجل- وبعظمته، لا ما يليق بالمخلوقات من الأعضاء والجوارح تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

فإذا ثبت هذا الحكم في الوجه فكذلك في اليدين، والقبضتين، والقدم، والضحك، والتعجب، كل ذلك كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته فيحصل بذلك إثبات ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحصل أيضاً نفي التشبيه، والتكييف في صفاته، ويحصل أيضاً ترك التأويل، والتحريف المؤدي إلى التعطيل، ويحصل أيضاً ترك التأويل، والتحريف المؤدي إلى التعطيل، ويحصل أيضاً بذلك عدم الوقوف بإثبات الصفات، وحقائقها على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته لا على ما نعقله نحن من صفات المخلوقين.

وأما مسألة الحرف والصوت فتساق هذا المساق: فإن الله تعالى قد تكلم بالقرآن المجيد، وبجميع حروفه، فقال تعالى: {آلم} وقال: {آلمص} وقال: {ق والقرآن المجيد}. وكذلك جاء في الحديث: ((فيُنادي يوم القيامة بصوتٍ يسمعُهُ من بَعُدَ كما يسْمَعُه من قَرُبَ)) (2). وفي الحديث: ((لا أقولُ آلم حرْفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، لامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ)) (3). فهؤلاء ما فهموا من كلام الله تعالى إلا ما فهموه من كلام المخلوقين، فقالوا: إن قلنا بالحروف فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجوارح واللهوات. وكذلك إذا قلنا بالصوت أدى ذلك إلى الحلق والحنجرة عملوا في هذا من التخبط كما عملوا فيما تقدم من الصفات.

والتحقيق هو أن الله تعالى قد تكلم بالحروف كما يليق بجلاله وعظمته فإنه قادر والقادر لا يتحاج إلى جوارح، ولا إلى لهوات، وكذلك له صوت كما يليق به، يسمع، ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة كلام الله تعالى كما يليق به، وصوته كما يليق به، ولا ننفي الحروف ولا الصوت عن كلامه سبحانه لافتقارهما منا إلى الجوارح واللهوات، فإنهما من جناب الحق تعالى لا يفتقران إلى ذلك، وهذا ينشرح الصدر له ويستريح الإنسان به من التعسف، والتكلف بقوله هذا عبارة عن ذلك (4).

فإن قيل فهذا الذي يقرأه القارئ هو عين قراءة الله تعالى وعين تكلمه هو، قلنا: لا، بل القارئ يؤدي كلام الله تعالى، والكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مؤدياً مبلغاً، ولفظ القارئ في غير القرآن مخلوق، وفي القرآن لا يتميز اللفظ عن الكلام المؤدي عنه، ولهذا منع السلف عن قول لفظي بالقرآن (1) مخلوق لأنه لا يتميز كما منعوا عن قول لفظي بالقرآن غير مخلوق، فإن لفظ العبد في غير التلاوة مخلوق وفي التلاوة مسكوت عنه كيلا يؤدي الكلام في ذلك إلى القول بخلق القرآن، وما أمر السلف بالسكوت عنه يجب السكوت عنه، والله الموفق.

فصل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير