تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فانظر كيف اجتمع في الشيء الواحد كونه عبادة ومنهيا عنه لكن باعتبارين ونظيره في الفقهيات ما يقوله جماعة من المحققين في البيه بعد نداء الجمعة فإنه نهى عنه لا من جهة كونه بيعأ بل من جهة كونه مانعا من حضور الجمعة فيجيزون البيع بعد الوقوع ويجعلونه فاسدا وإن وجد التصريح بالنهي فيه للعلم بأن النهي ليس براجع إلى نفس البيع بل إلى أمر يجاوره ولذلك يعلل جماعة ممن يقول بفسخ البيع لأنه زجر للمتبايعين لا لأجل النهي عنه فليس عند هؤلاء ببيع فاسد أيضا ولا النهي راجع إلى نفس البيع

فالأمر بالعبادة شيء وكون المكلف يوفي بها أو لا شيء آخر فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمرو رضي الله عنهما على ما التزم ونهيه إياه ابتداء لا يدل على الفساد وإلا لزم التدافع وهو محال إلا أن ها هنا نظرا آخر: وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار في هذه المسائل كالمرشد للمكلف وكالمبتدىء بالنصيحة عند وجود مظنة الاستنصاح فلما تكلف المكلف على اجتهاده دون نصيحة الناصح الأعرف بعوارض النفوس صار كالمتبع لرأيه مع وجود النص وإن كان بتأويل فإن سمي في اللفظ فبهذا الاعتبار وإلا فهو متبع للدليل المنصوص من صاحب النصيحة وهو الدال على الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة

ومن هنا قيل فيها إنها بدعة إضافية لا حقيقية ومعنى كونها إضافية أن الدليل فيها مرجوع بالنسبة لمن يشق عليه الدوام عليها وراجح بالنسبة إلى من وفى بشرطها ولذلك وفى بها عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بعد ما ضعف وإن دخل عليه فيها بعض الحرج حتى تمنى قبول الرخصة

بخلاف البدعة الحقيقية فإن الدليل عليها مفقود حقيقة فضلا عن أن يكون مرجوحا

فهذه المسألة تشبه مسألة خطأ المجتهد فالقول فيهما متقارب وسيأتي الكلام فيهما إن شاء الله تعالى

وأما قول السائل في الإشكال: إن التزم الشرط فأدى العبادة على وجهها ـ إلى آخره ـ فصحيح إلا قوله: فإن تركها لعارض فلا حرج كالمريض فإن ما نحن فيه ليس كذلك بل ثم قسم آخر وهو أن يتركها بسبب تسبب هو فيه وإن ظهر أن ليس من سببه فإن ترك الجهاد ـ مثلا ـ باختياره مخالفة ظاهرة وتركه لمرض أو نحوه لا مخالفة فيه فإن عمل في سبب يلحقه عادة بالمريض حتى لا يقدر على الجهاد فهذه واسطة بين الطرفين فمن حيث تسببه في المانع لا يكون محمودا عليه وهو نظير الإيغال في العمل الذي هو سبب في كراهية العمل أو التقصير على الواجب وهذا المكلف قد خالف النهي ومن حيث وقع له الحرج المانع في العبادة من أدائها على وجهها قد معذورا فصار هنا نظر بين نظرين لا يتخلص مع العمل إلى واحد منهما

وأما قوله: ثبت أن من أقسام البدع ما ليس بمنهي عنه فليس كما قال وذاك أن المندوب هو من حيث هو مندوب يشبه الواجب من جهة مطلق الأمر ويشبه المياح من جهة رفع الحرج على التارك فهو واسطة بين الطرفين لا يتخلى إلى واحد منهما إلا أن قواعد الشرع شرطت في ناحية العمل شرطا كما شرطت في ناحية تركه شرطا فشرط العمل به أن لا يدخل فيه مدخلا يؤديه إلى الحرج المؤدي إلى انخرام الندب فيه رأسا أو انخرام ما هو أولى منه وما وراء هذا موكول إلى خبرة المكلف فإذا دخل فيه فلا يخلو أن يدخل فيه على قصد انخرام الشرط أو لا فإن كان كذلك فهو القسم الذي يأتي إن شاء الله

وحاصله أن الشارع طالبه برفع الحرج وهو يطالب نفسه بوضعه وإدخاله على نفسه وتكليفها ما لا يستطاع مع زيادة الإخلال بكثير من الواجبات والسنن التي هي أولى مما دخل فيه ومعلوم أن هذه بدعة مذمومة

وإن دخل على غير ذلك القصد فلا يخلو أن يجري المندوب على مجراه أو لا فإن أجراه كذلك بأن يفعل منه ما استطاع إذا وجد نشاطا ولم يعارضه ما هو أولى مما دخل فيه فهو محض السنة التي لا مقال فيها لاجتماع الأدلة على صحة ذلك العمل إذ قد أمر فهو غير تارك ونهى عن الإيغال وإدخال الحرج فهو متحرز فلا إشكال في صحته وهو كان شأن السلف الأول ومن بعدهم وإن لم يجره على مجراه ولكنه أدخل فيه رأي الالتزام والدوام فذلك الرأي مكروه ابتداء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير