تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إعلم-رحمنا الله وإياك- أن من أعظم أسباب الخطأ وأكبر موجبات الضلال؛ الجهل بالحقائق،والخطأ في تصور المفاهيم، يقول الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله _ في بيان أهمية تصور الحقائق ومعرفة حدودها: _ اعلم أن من تصور حقيقة أي شيء على ما هو عليه في الخارج، وعرف ماهيته بأوصافها الخاصة عرف ضرورة ما يناقضه ويضاده، وإنما يقع الخفاء بلبس إحدى الحقيقتين، أو بجهل كلا الماهيتين. ومع انتفاء ذلك وحصول التصور التام لهما، لا يخفى ولا يلتبس أحدهما بالآخر. وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة " [منهاج التأسيس ص/12]

إذا تقرر ذلك فانتبه جيدا للتقريرات التالية؛إذ ينبني عليها مسائل مهمة وأمور جليلة خطيرة فأقول:

أولا: تعريف الإيمان لغة:

الإيمان له في لغة العرب استعمالان:

1 - فتارة يتعدى بنفسه فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته، وفي الكتاب العزيز (وآمنهم من خوف) (قريش: 5) فالأمن ضد الخوف،وأخرج مسلم (2531) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ))

· قلت:وهذا المعنى هو أصل الاشتقاق اللغوي للفظ الإيمان

2 - وتارة يأتي معدًّى بالباء وتارة معدًّى باللام.

يعدى بالباء كقول الله جل وعلا ?آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ? [البقرة:285]، ?آمَنَ ... بِـ? هذا تعدية بالباء، ?قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ? [البقرة:136]، ?وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً? [البقرة:41]، وآيات في هذا كثيرة.

وتارة يعدّى الإيمان باللام كقوله جل وعلا ?وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ? [يوسف:17]، وكقوله ?فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ? [العنكبوت:26].

§ قال العلماء: الفرق بين هذا وهذا أن الغالب فيما عُدي باللام أن يكون هو المعنى اللغوي، وأما إذا عُدي بالباء فيراد به المعنى الشرعي وهو ما يكون قولا وعملا واعتقادا.

إذا تقرر هذا فاعلم أنَه قد وقع الخلاف في المعنى اللغوي للفظ الإيمان؛فعرفه قوم بأنه مجرد التصديق القلبي، وهم جماهير أهل الإسلام وحكي إجماعا، وخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله فعرف الإيمان لغة بأنه:الإقرار القلبي ونسبه إلى السلف، وتقرير مذهبه: أن هناك فرقا بين الإيمان والتصديق لأوجه:

1 - الوجه الأول: أن بينَهما فرقا من جهة التعدي، وهو فرق في اللفظ. وذلك أنه يقال للمخبر: صدَّقَه، ولا يُقال آمَنَه بل آمن به أو آمَن له. كما قال تعالى:] فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [وقال:] فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ [وقال فرعون:] قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [إلى غيرها من الآيات. فالصدق يتعدى بنفسه بخلاف الإيمان، فلا يقال آمنته، إلا من الأمان الذي هو ضدُّ الإخافة.

فإن قيل: فقد يقال: ما أنت بمصدق لنا. فالجواب أن اللام تدخل على ما يتعدى بنفسه إذا ضعُف عملُه، إمَّا بتأخيره أو بكونه اسمَ فاعلٍ أو مَصدرا، أو باجتماعهما، فيقال فلان يعبد الله ويخافه ويتقيه، ثم إذا ذكر باسم الفاعل قيل، هو عابد لربه، متق لربه، خائف لربه، كما أنه إذا ذكرتَ الفعل وأخرتَه، تُقوِّيه باللام كقوله:] وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [وقوله] إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [مع أنك تقول: يرْهَب ربه ويعبر رُؤياه.

2 - الوجه الثاني: أن لفظَ الإيمانِ ليس مُرادفا للفظ التصديق في المعنى، فإن كلَّ مُخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت، وأما لفظ الإيمان فلا يُستعملُ إلا في الخبر عن غائبٍ، وذلك أنه مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبرٍ يُؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب، ولهذا لم يوجد قط في القرآن وغيره لفظ آمن له إلا في هذا النوع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير