تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - الوجه الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابَلْ بالتكذيب كلفظ التصديق، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادقٌ لكن لا أتبعك، بل أعاديكَ وأُبْغِضُك وأخالفك ولا أوافقك، لكان كفرُه أعظم، فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، عُلم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط.

4 - الوجه الرابع: أن الإيمانَ في اللغة مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف، فهو متضمن مع التصديق معنى الائتمان والأمانة كما يدل عليه الاستعمالُ والاشتقاق، أما التصديق فلا يتضمن شيئا من ذلك.

فهذه الأوجُهُ الأربعة تبطل دعوى الترادفِ بين لفظي الإيمان والتصديق. وعلى فرض أنه مرادف للتصديق فإنه تصديقٌ وأمنٌ أو تصديق وطمأنينة، وهو متضمن للالتزام بالمؤمن به سواء كان خبرا أو إنشاء، بخلاف لفظ التصديق المجرَّد، الذي هو عبارة عن حكمٍ ذهني بإيقاعِ النسبةِ أو انتزاعها، كما يزعُمه المتكلمون.

وعلى تعريفِ المتكلمين للتصديق فإنه لا يمكن أن يكونَ إلا بالقلب أو اللسان، وهذا معترض بما ثبت في السنةِ وأقوالِ السلفِ من تسمية الأفعال تصديقا، كما جاء في الحديث:» إن الله كتب على ابن آدم حظَّه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينِ النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كلَّه أو يكذبه «. وقال الحسن البصري:» ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وَقَر في القلب وصدَّقَتْه الأعمال «. وروى محمد بن نصر المروزي أن عبدَ الملكِ بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن هذه المسائل، فأجابه:» سألتَ عن الإيمان، فالإيمانُ هو التصديق، أن يصدق العبد بالله وملائكته وما أنزل الله من كتاب وما أرسل من رسول، وباليوم الآخر. وسألتَ عن التصديق، والتصديق أن يعمل العبد بما صدق به من القرآن، وما ضعف عن شيء منه وفرَّط فيه عرف أنه أذنب واستغفر الله وتاب منه ولم يصر عليه، فذلك هو التصديق… «. قال شيخ الإسلام رحمه الله:» وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول «.

ونتيجة هذا المبحث، أن الإيمان في اللغة – عند المحققين من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – ليس مرادفا للتصديق، وأنه على فرض الترادف بينهما فليس المقصودُ بالتصديق مجردَ الحكمِ الذهني بنسبةِ المحمولِ للموضوع، كما هو الأمر في اصطلاح أهل المنطق والكلام، ولكنه التصديقُ في عُرف السلف، الشاملُ للالتزام العملي الذي يقتضيه تمامُ الإذعان.

وعليه، فإن أصلحَ تعريف للإيمان من جهة اللغة هو الإقرارُ لا التصديق، والإقرار يتضمن أمرين اثنين هما: قول القلب وهو التصديق وعمل القلب وهو الانقياد، أي تصديق الرسول فيما أخبر، والانقياد له فيما أمر. قال شيخ الإسلام عليه رحمة الله:» … فكان تفسيره بلفظ الإقرار أقربَ من تفسيره بلفظ التصديق، مع أن بينهما فرقا «

· ثم ها هنا تنبيه مهم: اعلم –رحمنا الله وإياك –أن اشتغالنا هنا ببيان المعنى اللغوي للإيمان إنما هو من باب التبرع وإلا فإنه ((مما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم ; فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد بلفظ الإيمان وما يضاده بياناً لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك، فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه شاف كاف، بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة

للخاصة والعامة، بل كل من تأمل ما يقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان، علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول ... (3)))

ثانيا: الإيمان شرعا:

· إذا تقرر ذلك فاعلم ان الإيمان في الاصطلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة هو:: الدين وهو: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وعلى ذلك حُكِيَ الإجماع المستند إلى الأدلة المتكاثرة من الكتاب والسنة، عن كل من يدور عليه الإجماع من الصحابة والتابعين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في: ((الفتاوى)) (7/ 209):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير