لم يختلف المفسرون بأن الله أراد من {إِيمَانَكُمْ} في الآية؛ صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيماناً، ولو لم تكن جزءاً من الإيمان وركنا فيه؛ لما صح تسميتها به؛ فهذا دليل بين على أن العمل من الإيمان.
وكذلك قرن الله – عز وجل – الإيمان مع العمل في كثير من الآيات، وجعل جنة الخلد جزاءً لمن آمن وعمل صالحاً.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} ().
وقال: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ().
وقال: {وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ().
وهذه الآيات الكريمات البينات؛ كلها تدخل الأعمال الصالحة، وجميع الطاعات معها في مسمى الإيمان.
2 - الأدلة من السنة:
1 - ومن الأدلة الصريحة في ذلك حديث وفد عبد القيس وفيه قوله صلى الله عليه وسلم " أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنْ الْمَغْنَمِ " الحديث (2) ففي هذا الحديث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم للوفد الإيمان هنا بقول اللسان، وأعمال الجوارح
(ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق مع العلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود) (3)
2 - ومن الأدلة أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث (4) وما في معناه من الأحاديث في نفي الإيمان عمن ارتكب الكبائر وترك الواجبات كقوله صلى الله عليه وسلم " لا إيمان لمن لا أمانة له " (5) يقول ابن رجب تعليقاً على ذلك (فلولا أن ترك هذه الكبائر من مسمى الإيمان لما انتفى اسم الإيمان عن مرتكب شيء منها لأن الاسم لا ينتفي إلا بانتفاء بعض أركان المسمى أو واجباته) (1) ويقول ابن تيمية ( .... ثم إن نفي الإيمان عند عدمها دال على أنها واجبة فالله ورسوله لا ينفيان اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة إلا بأم القرآن " (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له " (3) (4).
3 - ومن الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: " الطهور شطر الإيمان " (5) ومثله " حسن العهد من الإيمان " (6) وغيرها كثير.
4 - ومنها قوله صلى الله عليه وسلم -: " من أعطى لله ومنع لله، وأحب لله وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه " (7)
وهذا يدل على أن هذه الأعمال جزء من مسمى الإيمان يكمل بوجودها وينقص بنقصها، ويزول بزوال جنسهاوالأيات حاديث الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه كما سيأتي (لأن الأعمال إذا كانت إيمانا كان بكمالها تكامل الإيمان، وبتناقصها تناقص الإيمان وكان المؤمنون متفاضلين في إيمانهم كما هم متفاضلون في أعمالهم، وحرم أن يقول قائل (إيماني وإيمان الملائكة والنبيين واحد) لأن الطاعات كلها إذا كانت إيماناً فمن كان أكثر طاعة كان أكثر إيماناً ومن خلط الطاعات بالمعاصي كان أنقص إيماناً ممن أخلص الطاعات) (1)
5 - ولعلنا نختم هذا المبحث بأبرز الأحاديث دلالة على المقصود وهو حديث شعب الإيمان.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " وقد اعتنى الأئمة بهذا الحديث واعتبروه أصلاً لإدخال الطاعات في الإيمان وعدوها من شعبه وألفوا في ذلك بعض المصنفات.
¥