تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

السنة. وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، وإنما أرادوا ماكان مشروعاً من الأقوال والأعمال. ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولاً فقط، فقالوا: بل هو قول وعمل) (مجموع الفتاوى) 7/ 170 ــ 171.

* أما القول الذي ذكره المؤلف (أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح) فهو قول شاذ، والشذوذ هو مخالفة الثقة للثقات، وهو بالإضافة إلى شذوذه قول خطأ. وممن انفرد بهذا القول من السلف: أبو ثور (نسبه إليه اللالكائي في كتابه شرح اعتقاد أهل السنة، 2/ 849)، وابن بطة في كتابه (الإبانة عن شريعة الفرق الناجية) 2/ 760، وقد تابع ابن بطة في هذا شيخه الآجري في (الشريعة) صـ 105 و 119. وهذا التعريف خطأ لأنه يُسقط بعض فروض القلب الإيمانية.

* ووجه الخطأ في هذا التعريف يتبيّن بمعرفة أن أمور الإيمان الواجبة على القلب ثلاثة: وهى المعرفة (أو العلم) والتصديق وأعمال القلب، وكلها من أصل الإيمان وشروط صحته.

فمن قال إن الإيمان قول وعمل: أراد بالقول: قول القلب (وهو معرفته وتصديقه) وقول اللسان، وأراد بالعمل: عمل القلب وعمل الجوارح. فاشتمل هذا التعريف للإيمان على واجبات القلب الثلاثة.

ومن قال إن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فأراد باعتقاد القلب معرفته وتصديقه وأعماله.

أما من قال إن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، فقد أسقط من الإيمان معرفة القلب وأعماله، وهما من أصل الإيمان وشروط صحته، وبهذا يتبين خطأ هذا التعريف، ولهذا فإن أبا عبدالله ابن بطة لما ذكر هذا التعريف الشاذ أعقبه بقوله (اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدّست أسماؤه فَرَض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه وبكل ماجاءت به السنة، وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولا، وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفَرَضه من الأعمال، لاتجزئ واحدة من هذه إلا بصاحبتها، ولايكون العبد مؤمنا إلا بأن يجمعها كلها) (الإبانة) 2/ 760 ــ 761، فذكر معرفة القلب في كلامه هذا، كما ذكر أعمال القلب في قوله (وأما مافُرِض على القلب فالإقرار والإيمان والمعرفة والتصديق والعقل والرضا والتسليم) (الإبانة) 2/ 766، فالرضا والتسليم من أعمال القلب. وكذلك شيخه الآجري قال مثله في (الشريعة) صـ 119. فكل من ذكر من أهل السنة ــ في تعريف الإيمان ــ لفظ (تصديق بالقلب) بيّن في شرحه أن معرفة القلب وعمله من لوازم هذا التصديق.

وهذا ما بَيَّنه الشيخ حافظ حكمي بقوله (ومن هنا يتبيّن لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو التصديق على ظاهر اللغة أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهراً وباطنا بلاشك، لم يعنوا مجرد التصديق) (معارج القبول) صـ 23، ط السلفية. وقوله لم يعنوا مجرد التصديق أي التصديق الخبري: تصديق الخَبَر والمُخْبِر. والشيخ حافظ حكمي متابع في قوله هذا لابن القيم في قوله (فإن الإيمان ليس مجرد التصديق ــ كما تقدم بيانه ــ وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد) (الصلاة) لابن القيم، صـ 25.

والحق أن التصديق وهو أحد أعمال القلب لايدل على غيره من أعمال القلب كالانقياد والمحبة لا بدلالة المطابقة ولا بدلالة التضمّن، وإنما يمكن أن يدل عليها بدلالة اللزوم، ولهذا قال حافظ حكمي (التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد) وقال ابن القيم (التصديق المستلزم للطاعة والانقياد)، وهذا اللزوم ليس بلازم إذ قد تخلف الانقياد عن التصديق في كفر الاستكبار ككفر إبليس، فليس الانقياد بلازم ٍ دائما للتصديق، ولهذا كان قول جمهور أهل السنة أكمل وهو قولهم إن الإيمان قول وعمل، خاصة وأن بعض المرجئة قال في تفسير التصديق بمثل ماقال ابن القيم وحافظ حكمي، فقد قال سعد الدين التفتازاني في (شرح العقائد النسفية) صـ 433 (وليس حقيقة التصديق أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى الخبر أو المُخبِر من غير اذعان وقبول، بل هو اذعان وقبول ذلك بحيث يقع عليه اسم التسليم)، وبمثل هذا قال البيجوري أيضا في (تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد) صـ 43. أهـ.

وفي بيان وجوب معرفة القلب وعمله بالإضافة إلى تصديقه كشروط لصحة الإيمان قال ابن تيمية (الوجه الثاني من غلط المرجئة ظنهم أن مافي القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط دون أعمال القلوب كما تقدم عن جهمية المرجئة) (مجموع الفتاوي) 7/ 204، وقال أيضا (ولابد أن يدخل في قوله: اعتقاد القلب أعمال القلب المقارنة لتصديقه مثل حب الله وخشية الله والتوكل على الله ونحو ذلك، فإن دخول أعمال القلب في الإيمان أولى من دخول أعمال الجوارح باتفاق الطوائف كلها) (مجموع الفتاوي) 7/ 506، وقال أيضا (وأحمد رضي الله عنه فرّق بين المعرفة التي في القلب وبين التصديق الذي في القلب ــ إلى أن قال ــ فعُلم أنه أراد تصديق القلب ومعرفته مع الإقرار باللسان) (مجموع الفتاوي) 7/ 395 ــ 396. ...

)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير