وإذا علمنا أن دعاء الله عند بني صوفان هو من الأمور المكروهة , نسأل الله السلامة بعكس دعاء ما دونه فهو أمر مندوب مستحب. بل هي من علامات الصوفي الحقيقي. (أن لا يكون له إلى الله حاجة) (وأن لا يسأل الله الجنة و لا يستعيذ به من النار) الرسالة القشيرية 88_89و125.
وجعلوا دعاء الله أقل المنازل وترك سؤاله أعظمها , فزعم القشيري إن (السنة المبتدئين منطلقة بالدعاء , والسنة المتحققين خرست عن ذلك) وزعم أن عبد الله بن المبارك قال: (ما دعوت الله منذ خمسين سنة ولا أريد أن يدعو لي أحد). الرسالة القشيرية 121.
واعتبروا ترك دعاء الله من تمام الرضا بالله _ ولم يعتبروا الصلاة كذلك مع أنها دعاء _ فقال قائلهم: (الرضا انه لو ألقاني في النار لكنت بذلك راضياً) وقال رويم: (الرضا انه لو جعل الله جهنم على يمينه ما سأله أن يحولها إلى يساره).
وزعم شيخهم الرافاعي: أنه لما وضع المنشار على رأس زكريا عليه السلام أراد أن يستغيث الله فعاتبه لله وقال: (ألا ترضى بحكمي؟ فسكت حتى قطع نصفين) حالة أهل الحقيقة 115.
وزعم آخر أن إبراهيم قال حين ألقي في النار: (علمه بحالي يغنيه عن سؤالي). بمثل هذه الأكاذيب صرفوا الناس عن دعاء الله: وإذا دعي الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة , وإذا دعي الذين من دونه إذا هم يستبشرون.
ومعلوم إن الدعاء هو نداء وذكر فيصح فيهم قول الحق: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}.
و يقول الغزالي: (ضاع لبعض الصوفية ولد صغير ثلاثة أيام لم يعرف له خبر فقيل له لو سألت الله أن يرده عليك فقال: اعتراضي عليه فيما قضى أشد علي من ذهاب ولدي).
ويقول الطوسي الصوفي: (أصلنا السكوت والاكتفاء بعلم الله).
وقال القشيري: سئل الواسطي أن يدعو فقال: (أخشى إن دعوت أن يقال إن سألتنا مالك عندنا فقد اتهمتنا وإن سألتنا ماليس لك عندنا فقد أسأت الينا وان رضيت أجرينا لك الأمور ماقضينا لك في الدهئ).
وهذا مناقض لأمر الله سبحانه وتعالى.
في قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.
تأمل رعاك الله عندما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوجه إليه السؤال و يكون الجواب من الله تعالى كان يجعل الرسول صلى الله عليه و سلم وسيطا لنقل الجواب فيقول له عز وجل (قل) أي يا محمد أخبرهم و من ذلك:
1 - قوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}.
2 - قوله تعالى: {يسألونك عن لشهر لحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل لله وكفر به}.
3 - قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}.
4 - قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم}.
5 - قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}.
6 - قوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم لطيبات}.
7 - قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها ثم ربي}.
8 - قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ولرسول}.
و غير ذلك كما في شأن اليتامى و الحيض
فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم وسيطا ينقل الجواب بتوجه من الله (قل) إلا في مسألة الدعاء فإن الله لم يجعل الرسول صلى الله عليه و سلم وسيطا بل تولى الجواب مباشرة دون قوله تعالى (قل)
فعندما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فانزل الله وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة 1/ 277 و ابن حبان في كتابه الثقات 8/ 436 و ذكره سببا لنزول الآية الطبري في تفسيره 2/ 158 و ابن كثير في تفسيره 1/ 219 و القرطبي في تفسيره 2/ 308 ذكره سبب النزول عن الحسن البصري رحمه الله.
و هذه إشارة ربانية إلى أن الله تعالى لا يحب و لا يحتاج العبد إلى وسطاء أو شفعاء عند دعاءه لربه عز وجل بل يدعوه مباشرة و قوله تعالى: {فليستجيبوا لي} أي فليدعوني.
¥