أقول: وبالله التوفيق , الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب. أما الدعاء فهو أعم من الاستغاثة , فكل استغاثة دعاء كما أن الدعاء في اللغة نداء وطلب. وهو نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة وكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة , ودعاء المسألة متضمن دعاء العبادة , على تعريف المتضمن أنه دلالة الدليل على بعض معناه.
وإذا كانت الاستغاثة من نوع الدعاء والدعاء هو العبادة تبين أن الاستغاثة عبادة لا يتوجه بها إلا لله.
أما شبهتك هداك الله للحق.
أقول: وهذه استغاثة بالحاضر الحي القادر , فإن الله وعده بهذه الشفاعة فأصبح قاداً عليها , إلا إذا كنت تظنين أن الله سيخلفه الميعاد؟! وأمثلها , كالغارق في النهر وأمامه شخص يعرف السباحة فستغاث به لينقذه. فهذا لا خلاف في أنه مشروع مباح لأنه لا يندرج تحت مسمَّى الاستغاثة المنفية.
وأضيف: أن الصحابة كانوا يأتون رسول الله ويطلبون منه في حياته إن يدعوا الله لهم.
فائدة: نلاحظ نفي آدم والأنبياء قدرتهم على الإغاثة وقولهم (لست لها) , حجة عليك يا زميلة فإنه يدل على أن الأنبياء لا يقدرون دائماً على الإجابة وما يطلبه الناس منهم. فلما قال لهم آدم (لست لها) تركوه وتوجهوا إلى غيره من الأنبياء لافتقاد شرط القدرة على الإغاثة.
استطراد مهم:
أنتم تدعون أو تستغيثون بالرسول محمد أو بالولي بأمر لا يقدر عليه إلا الله , كالمغفرة وما شابهها من أمور.
فتذكري هداك الله قول إبراهيم الخليل: {وما أملك لك من الله من شيء}.
فهو لا يملك شيء فما بالك بالأولياء الأقل درجة منه.
ألم تسمعي قول الحق: {بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً}.
وأقول تفكري في قول الحق سبحانه: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين}. والرسول عبد مثلنا فقد قال الحق: {قل إنما أنا بشر مثلكم}.
ولقد أمرنا الله أن نعتقد أن النبي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فقد قال الحق: {قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشدا}. {قل إني لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله}. هذا وهو حي كيف به وهو ميت؟!
أنظري يا من تستغيثين بالرسول ماذا يقول لأبنته فاطمة: (يا فاطمة بنت محمد , أنقذي نفسك من النار: فإني لا أملك لك من الله ضراً ولا نفعاً) وفي رواية (لا أغني عنك من الله من شيئا) أنظري إلى قول نبي الله يعقوب لأولاده {وما أغني عنكم من الله من شيء}.
ومعلوم أن الاستغاثة مسبوقة بالاعتقاد.
أقول: لا يوجد على الأرض من يدعو من يعتقد فيه أنه لا يملك الإجابة والنفع والضر إلا أن يكون مجنوناً. فهل هناك
عاقل يقول: أغثني يا من لا تملك نفعاً ولا ضراً؟! إلا أن يكون معتقداً فيهم التأثير وكشف الضر وتحصيل النفع اللهم إلا أن يكون مجنوناً فحينئذ لا يؤاخذه الله على شركه أكبر أو أصغر.
الحق أنه لم يلتجئ إليهم إلا لاعتقاد فيهم النفع والضر. فإن ما في القلب من اعتقاد فاسد قد عبر عنه اللسان فصار يلهج بنداء غير الله: أغثني يا رفاعي , المدد يا جيلاني , شيء لله يا سيد دسوقي , ثم عبر عنه العمل فصار يقبل جدران القبور ويمسحها بيده ويذبح النذور عندها. نسأل الله السلامة.
الرواية الثانية:
2 - جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قص على أصحابه قصة السيدة هاجر هي وابنها في مكة قبل أن تبنى الكعبة بعد أن تركهما سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وفي ما قصه أنها لما سمعت صوتا عند الطفل قالت: " إن كان ذا غوث فأغثني " فاستغاثت فإذا بجبريل عليه السلام فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم. وهى تعلم أن صاحب الصوت لن يكون رب العالمين المنزه عن الزمان والمكان، ووجه الدلالة في هذا الحديث قول السيدة هاجر (إن كان ذا غوث فأغثني) فهو قول صريح بالاستغاثة والدليل الأقوى هو أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يروي الخبر ولم يقف عند موضوع الاستغاثة ولم يقل أنها لا تجوز أو أنها شرك وهو الذي لا ينطق عن الهوى ولا تفوته فائتة أبداً في الدين.
الرد:
أقول أنا فهَّاد: هداك الله يا زميلة وحرم وجهك من النار. الحديث ليس في البخاري بارك الله فيك.
بل الرواية ضعيفة ومنقطعة لا يحتج بها.
وقد أوردها أبن حجر في فتح الباري بصيغة لا تخدمك بل ضدك هدا الله لكل خير.
¥