تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يظهر أن سجود التعظيم والإجلال من قبيل سجود العبادة، وهذا لم يكن مشروعاً في الأمم الماضية صرفه لغير الله، والأدلة إنما هي في سجود الإكرام والتحية، ولم تثبت في صفته آثار يعول عليها يصح الاحتجاج بها فيما بحث، وهذا السجود أعني سجود الإجلال والتعظيم كان مشروعاً لله على صفة شبيهة بصفة سجودنا الشرعي كما قال الله تعالى: (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) وهذا تعظيم لله ظاهر أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهله، وهذا يشعرك بأنه كان عبادة في لدى الأمم المتقدمة، وهذا المعنى تشهد له أدلة أخرى ظاهرة لمن تفكر فيه.

ولعل الذي يظهر بعد التأمل أن تعبير الإمام الذهبي مجمل قد يحمل على صرف عبادة السجود تعظيماً إلى القبر، فالعبادة مصروفة للقبر، لظنه أن ذلك تعظيم مشروع فهذا شرك، وقد يحمل على صرف عبادة السجود لا للقبر بل لله تعظيماً وتبجيلاً للقبر ظناً منه أن ذلك مشروعا له، فهذه البدعة المنكرة التي لا ترقى للشرك. وهي كمن ذبح لله عند القبر إجلالاً لصحاب القبر وتعظيماً له ظناً أنه مشروع.

فيكون مراد الذهبي: ... وكذلك القول في سجود المسلم لله تعظيماً وتبجيلاً لقبر النبي صلى الله عليه وسلم عنده فلا يكفر به أصلا بل يكون عاصيا فليعرف أن هذا منهي عنه وكذلك الصلاة إلى القبر.

وعبارته: "وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلا بل يكون عاصيا فليعرف أن هذا منهي عنه وكذلك الصلاة إلى القبر".

فقوله (سجود المسلم لقبر) مجمل قد يريد به صرف العبادة للقبر، وقد يريد به سجود المسلم لله لتعظيم القبر، ويفهم هذا من قوله على سبيل التعظيم والتبجيل أنه لا على سبيل آخر، ومن وصفه الساجد بالإسلام.

وأما الذي اتهم من أجاب بنحو جواب الشيخ قبل الأخير بالإرجاء فما أصاب، وهنا ثالثة مسائل ينبغي التنبه إليها:

1 - المسألة الأولى: ليس كل سجود عبادة، وإن كان منهياً عنه في شريعتنا لغير الله، ولم يكن كذلك في شرائع الأمم الماضية، ومنه الانحناء أو الانحطاط تحية وهذا يخلطه البعض بالسجود تعظيماً وإجلالا للمسجود له وليس منه في شيء ففرق بين التحية وبين التعظيم ولا تلازم بينهما وقد أشير إلى ذلك في رد سابق ويأتي مزيد تفصيل له.

2 - المسألة الثاني: مطلق التعظيم بالأفعال قد يكون محض عبادة لله وقد يكون أمراً مشروعاً يتعبد الله بإبدائه لغيره، فإن كان عبادة فصرفه لغير الله قد يكون شركاً أكبراً وقد يكون شركاً أصغراً، ومن قبيل هذا الأخير الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام مثلاً فهو من قبيل التعظيم المنهي عنه، وأما التعظيم المختص بالله والذي صرفه لغير الله من قبيل الشرك الأكبر فالكذبح له سبحانه (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله)، ولهذا روي في الأثر –وفيه مقال- خبر الذي قرب ذبابة فكان مآله النار، ومن التعظيم المختص بالله أيضاً الركوع والسجود إلاّ أنه لايلزم أن يكون كل ركوع وسجود تعظيماً، كما لايلزم أن يكون كل ذبح كذلك، أما الركوع والسجود والذبح بغرض التعظيم فهو محض حق الله تعالى، فمن صرفه لغيره ظناً منه أنه مشروع فقد صرف عبادة لغير الله ظن أنها مشروعة وهذا الفعل كفر بغض النظر عن تحرير حكم فاعله.

أما التعظيم المشروع الذي أمر الله بإبدائه لبعض الخلق كالوالد والنبي صلى الله عليه وسلم فإبداؤه لمن أمر الله عبادة لله يثيب الله فاعلها، طالما كانت مشروعة، فإن بذل له ضرباً من التعظيم الذي هو من خصائص الله فقد جاء كفراً ومنه السجود تعظيماً لا للمجرد التحية، ومما يوضح هذا أن من دعا غير الله فيما لايقدر عليه إلاّ الله فقد جاء كفرا، بخلاف من دعا غير الله في أمر يقدر عليه هو من جملة فعل الخير، فهذا مشروع وقد يكون واجباً، وكذلك التعظيم فرق بين بذل التعظيم الذي هو من خصائص الله لغير الله، وبين بذل التعظيم المشروع لمن يستحقه من خلق الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير