تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- أو أن الباحث يرغب في نشر إنتاجه الفكري بين مختلف الأوساط دون عوائق تصنيفية تلحق به الضرر عند من لا يوافق على توجهه الفكري.

على أي حال، فإنه يمكن من خلال التتبع لمختلف دراساته تبين خطوط رئيسية في خياراته الفكرية نشير إلى شيء منها هاهنا:

بادئ ذي بدء، لا يخفي الكاتب انحيازه للعقلانية حيث يقول:

(نحن نصدر عن موقف نقدي ينشد التغيير، من التحرك من موقع أيديولوجي واعٍ، أي لابد من الصدور عن موقف تاريخاني؟، موقف يطمح ليس فقط في اكتساب معرفة صحيحة بما كان، بل أيضاً إلى المساهمة في صنع ما يتبقى أن يكون، وهو بالنسبة للمجال الذي نتحرك فيه: الدفع بالفكر العربي في اتجاه العقلنة، اتجاه تصفية الحساب مع ركام –ولا نقول رواسب- اللامعقول في بنيته.

(تكوين العقل العربي: 52) .. (لأن موضوعنا هو العقل، ولأن قضيتنا التي ننحاز لها هي العقلانية) (التكوين: ص7).

تبني العقلانية، والدفاع عنها، والتنويه برموزها كان هدف الجابري الذي لا يخفيه في عامة دراساته التي أصدرها .. لكن العقلانية بأي معنى…؟!

إنه لا يوجد صراحة من يعلن الحرب على العقل والعقلانية ([11]) لكن الاختلاف يظهر عندما يتحدد المقصود بالعقلانية .. فما هي يا ترى العقلانية التي يدعو إليها الباحث، وينافح عنها .. ؟ من خلال الرموز الذين دافع عنهم الجابري يمكن تلمس ملامح تلك العقلانية، وسماتها الأساسية.

لقد عرض الباحث فكر أرسطو في (بنية العقل العربي) (ص 384) دون أن يتحفظ على شيء مما جاء فيه، كما اعتبر الفارابي الذي يسمى (المعلم الثاني) اعتبره هو الذي أعاد تأسيس العقلانية في الإسلام، نظراً لكونه أول من درس المنطق الصوري كاملاً، وقد تغافل الباحث عن الجوانب الغنوصية في فكره ولم يعطها وزنها الذي تستحقه، نظراً لأنه كما يقول جعل (العرفان) ينتج عن (البرهان)، كما تبنى هجوم ابن حزم على القياس باعتباره منهجاً في البحث لا يفضي إلى اليقين، واعتبر المنهجية الظاهرية الحزمية في الأصول أمتن من منهجية البيانيين وأقوم، وكذا أعجب بمنهجية الشاطبي في الموافقات، حيث بنى الأصول على المقاصد التي تعرف باستقراء أدلة الشرع ..

لكن الشخصية الإسلامية التي تحتل قيمة لا منازع لها عند الجابري هي شخصية ابن رشد .. إن الخطاب الرشدي يبنى كله على النظر إلى الدين والفلسفة كبناءين مستقلين، يجب أن يبحث عن الصدق فيهما داخل كل منهما وليس خارجه، والصدق المطلوب هو صدق الاستدلال، وليس صدق المقدمات، ذلك أن المقدمات في الدين كما في الفلسفة، أصول موضوعة يجب التسليم بها دون برهان: فإذا كانت الصنائع البرهانية، في مبادئها المصادرات والأصول الموضوعة، فكم بالحري أن يكون ذلك في الشرائع المأخوذة من الوحي والعقل. (تهافت التهافت 2/ 869)، ولذلك (فإن الحكماء من الفلاسفة لا يجوز عندهم التكلم ولا الجدال في مبادئ الشرائع، وذلك أنه لما كانت لكل صناعة مبادئ، وواجب على الناظر في تلك الصناعة أن يسلم لمبادئها، ولا يتعرض لها بنفي ولا إبطال؛ كانت الصناعة العملية الشرعية أحرى بذلك .. ) (التهافت 2/ 791).

علام تدل هذه الكلمات؟! اعتبار الشريعة نسقاً مغلقاً لا يمكن الاستدلال عليه من خارجه؛ ألا يعني هذا أن الدين تسليم دون استدلال؟! وإذا صح هذا فكيف يمكن التمييز بين الدين الصحيح والزائف؟! ألا تحمل هذه الكلمات بذوراً علمانية خطيرة؟!

-يعلق الجابري على منهج ابن رشد بقوله: (كانت الرشدية قادرة على طرق آفاق جديدة تماماً، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن في أوروبا حيث انتقلت وليس في العالم العربي حيث اختنقت في مهدها، ولم يتردد لصيحتها الأولى صيحة الميلاد أي صدى إلى اليوم .. ) (بنية العقل العربي: ص323) أي صدى تردد في أوروبا، إنه الصدى الذي تبنى العلمانية منهاجاً، وجعل من الدين مواضعات اجتماعية وأخلاقية خاصة، فمن تبنى العلمانية منهاجاً وجعل من الدين مواضعات اجتماعية وأخلاقية خاصة، فمن شاء أن يلتزم بها فله ذلك ومن لم يشأ فلا جناح عليه!! أما أن يتدخل الدين في صياغة المنهج السياسي أو الاقتصادي، أو العلاقات الخارجية، فكلا، ليس ذلك للدين وإنما هو للعقل البشري المجرد .. !!

هل يريد الجابري هذه النتيجة .. ؟! من العدل أن نقول إنه لم يصرح بهذا في هذه الكتب…لكن القارئ بسوء نية يمكنه أن يفهم ذلك ..

ملاحظات ومراجعات:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير