تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشريعة الإسلامية بأسباب نزولها؛ وهي: ما كان عليه العرب قبل الإسلام وزمن البعثة النبوية من حيث إقامتهم في مجتمع بدوي صحراوي، واعتمادهم على التنقل والترحال طلباً للكلأ مما يلزم معه قطع يد السارق، وأما في وقتنا الحاضر وقت التطور العمراني والصناعي فقطع يد السارق غير ملائم لردعه عن تكرار السرقة، بل الملائم هو السجن بدل القطع، فنراه يقول ما نصه: "إذا تحررنا من سلطة القياس والانشداد إلى الألفاظ، وانصرفنا باهتمامنا بدلاً من ذلك إلى البحث عن (أسباب النزول)، وهي هنا الوضعية الاجتماعية التي اقتضت نوعاً ما من المصلحة وطريقة معينة في مراعاتها، فإننا سنجد أن قطع يد السارق تدبير مبرر ومعقول داخل تلك الوضعية، وهكذا فبالرجوع إلى زمن البعثة المحمدية والنظر إلى الأحكام الشرعية في إطار الوضعية التي كانت قائمة يومئذ سنهتدي إلى المعطيات التالية: أولاً: أن قطع يد السارق كان معمولاً به قبل الإسلام في جزيرة العرب. ثانياً: أنه في مجتمع بدوي ينتقل أهله بخيامهم وإبلهم من مكان إلى آخر طلباً للكلأ؛ لم يكن من الممكن عقاب السارق بالسجن، إذ لا سجن ولا جدران ولا سلطة تحرس المسجون وتمده بالضروري من المأكل والملبس…. الخ، وإذن فالسبيل الوحيد هو العقاب البدني. وبما أن انتشار السرقة في مثل هذا المجتمع سيؤدي حتماً إلى تقويض كيانه، إذ لا حدود ولا أسوار ولا خزائن، فلقد كان من الضروري جعل العقاب البدني يلبي هدفين: تعطيل إمكانية تكرار السرقة إلى ما لا نهاية، ووضع علامة على السارق حتى يُعرف ويحتاط الناس منه، ولا شك أن قطع اليد يلبي هذين الهدفين معاً، وإذن فقطع يد السارق تدبير معقول تماماً في مجتمع بدوي صحراوي يعيش أهله على الحل والترحال، ولما جاء الإسلام وكان الوضع العمراني الاجتماعي زمن البعثة لا يختلف عما كان عليه من قبل احتُفظ بقطع اليد كحد للسرقة من جملة ما احتُفظ به من التدابير والأعراف والشعائر التي كانت جارية في المجتمع العربي قبل الإسلام، مع إدراجها في إطار خلقية الإسلام" ([24]).

ثالثاً: التوسع في تحديد مقاصد الشريعة، وعدم الاقتصار فيها على ما ذكره فقهاء الأمة واتفقوا عليه فيما يدخل ضمن الضروريات، والحاجيات، والتحسينات، حيث يقول: "إن الأمور الخمسة التي حصر فيها فقهاؤنا القدامى (الضروريات) كانت وما تزال وستبقى أموراً ضرورية بالفعل، أي مقاصد أساسية لكل تشريع يستهدف فعلاً خدمة (مصالح العباد)، غير أن (مصالح العباد) اليوم لم تعد مقصورة على حفظ الدين والنفس العقل والنسل والمال، بل إنها تشمل بالإضافة إلى الأمور الخمسة المذكورة أموراً أخرى نعتقد أنه لابد من أن ندرج فيها: الحق في حرية التعبير وحرية الانتماء السياسي، والحق في انتخاب الحاكمين وتغييرهم، والحق في الشغل والخبز والمسكن والملبس، والحق في التعليم والعلاج .. إلى غير ذلك من الحقوق الأساسية للمواطن في المجتمع المعاصر. أما الحاجيات فبالإضافة إلى ما ذكره فقهاؤنا القدامى؛ هناك حاجيات جديدة مثل الحاجة إلى توفير الصحة والوقاية من الأمراض بإعداد ما يكفي من مستشفيات وغيرها، والحاجة إلى مالابد منه لتنشيط الإبداع الفكري في مختلف المجالات العلمية والفنية والنظرية، والحاجة إلى ما لابد منه لاكتساب معرفة صحيحة بالواقع والأحداث… أما التحسينات التي يتطلبها عصرنا فحدّث ولا حرج" ([25]). ويختم كلامه بهذا الخصوص بقوله: "إذا كانت هناك ضرورات عامة خالدة كتلك التي أحصاها فقهاؤنا بالأمس، فإن لكل عصر ضرورياته وحاجياته وتكميلياته، وهكذا فعندما ننجح في جعل ضروريات عصرنا جزءاً من مقاصد شريعتنا فإننا سنكون قد عملنا ليس فقط على فتح باب الاجتهاد في وقائع عصرنا المتجددة المتطورة؛ بل سنكون أيضاً قد بدأنا العمل في تأصيل أصول شريعتنا نفسها بصورة تضمن الاستجابة الحية لكل ما يحصل من تغيير أو يطرأ من جديد" ([26]).

رابعاً: إسقاط الحد في جرائم السرقة والزنا وشرب الخمر والقذف، والاكتفاء فيها بالسجن، لأن الحدود –في نظره- ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لردع وزجر النوازع الذاتية الفردية الهدامة، أي التي تمس مصلحة الجماعة أو الأمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير