وانقل لك كلام امام من ائمة الجرح والتعديل، وهو الامام الذهبي، رحمه الله، تلميذ ابن تيمية، يقول الذهبي في كتابه 'التاريخ الكبير في حوادث 638' سنة وفاة الشيخ الاكبر - رحمه الله، بعد ان يذكر ماله وما عليه، وان كنا لانسلم له كل ما قاله، و'لابن العربي توسع في الكلام وذكاء وقوة حافظة وتدقيق في التصوف، وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحات كلامه وشعره لكان كلمة اجماع، ولعل ذلك وقع منه في حال سكره وغيبته (مصطلحان صوفيان) فنرجو له الخير (وانظر ما ذكره في الميزان وفي السير).
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي وهو من تلاميذ ابن تيمية، بعد كلام طويل: وقفت على كتابه الذي سماه 'الفتوحات المكية' لانه صنعه بمكة، وهو في عشرين مجلدة بخطه، فرأيت اثناءه دقائق وغرائب ليست توجد في كلام غيره، وكأن المنقول والمعقول ممثلان بين عينيه في صورة محصورة يشاهدها، متى اراد اتى بالحديث او الامر ونزوله على ما يريده، وهذه قدرة ونهاية اطلاع وتوقد ذهن وغاية حفظ وذكر، ومن وقف على هذا الكتاب علم قدره، وهو من اجل مصنفاته (الوافي في الوفيات 4//174).
فهل ترى قولي خرج عما قاله هذان الامامان الجليلان تلميذا ابن تيمية رحمهم الله جميعا؟!
بل ارى انني قصرت كثيرا عما قالا في حقه!
عقيدة الشيخ الأكبر:
قال الصلاح الصفدي - رحمه الله - في الوافي 4/ 174 وقد ذكر في كتاب الفتوحات المكية (1/ 162 طبعة د. عثمان يحيى) في المجلدة الاولى عقيدته، فرأيتها من اولها الى آخرها عقيدة الشيخ ابي الحسن الاشعري ليس فيها ما يخالف رأيه، وكان الذي طلبها مني بصفد وانا في القاهرة فنقلتها اعني العقيدة لا غير في كراسة وكتبت عليها:
ليس في هذه العقيدة شيء
يقتضيه التكذيب والبهتان
لا ولا ما قد خالف العقل
والنقل الذي قد اتى به القرآن
وعليها للأشعري مدار
ولها في مقاله إمكان
وعلى ما ادعاه يتجه البحث
ويأتي الدليل والبرهان
بخلاف الشناع عنه ولكن
ليس يخلو من حاسد إنسان
ولم أكن وقفت على شيء من كلامه ثم اني وقفت على 'فصوص الحكم' التي له فرأيت فيها اشياء منكرة الظاهر لا توافق الشرع، وما فيه شك انه يحصل له ولأمثاله حالات عند معاناة الرياضات في الخلوات، يحتاجون الى العبارة عنها فيأتون بما تقصر الالفاظ عن تلك المعاني التي تمحوها في تلك الحالات، فنسأل الله العصمة من الوقوع فيما خالف الشرع.
خطورة التكفير:
ان من اعظم البلاء ان يسارع المسلم في تكفير المخالف، او رميه بالعظائم، قال رسول الله 'من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما'، والاخطر من ذلك من يحكم على ما في قلوب الناس وضمائرهم، ويجعل نفسه حكما على ما يسر الناس وما يعلنون، فيحمل حال الناس على الاسوأ حسب ما يتراى لعقله السقيم، وهذا خلاف منهج الاسلام، ففي حديث اسامة بن زيد - رضي الله عنهما - في الرجل الذي قتله في المعركة بعد ان نطق بالشهادتين، ثم سأل عن ذلك سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال الرحمة المهداة - عليه الصلاة والسلام - 'لا تقتله' فقال اسامة 'انما قالها مخافة من السيف' فقال له الحبيب عليه الصلاة والسلام 'هلا شققت عن قلبه' وما زال يكررها عليه، حتى تمنى اسامة انه لم يسلم الا بعد هذه الحادثة، ليكون الإسلام مكفرا لعمله ذلك.
قال الشيخ محيي الدين بن العربي - رحمه الله تعالى - اجمع القوم على ان من حمل الناس على المحامل السينة فإنما ذلك صورة نفسه هو، فكأنه يقول: انا من اهل ذلك القبيح، ومذهب اهل السنة والجماعة: ان الشخص الواحد يجتمع فيه الخير والشر في وقت واحد فيكون وليا لله تعالى من وجه، كما انه عدو لله من وجه آخر.
قال: وهذا هو الحق الواضح الذي شواهده كثيرة من الكتاب والسنة بخلاف من قال: بالاحباط وكفر المؤمنين بالمعاصي والذنوب كما فعل الخوارج وغيرهم.
قال: الشيخ محمد بن علي المصري - رحمه الله - اذا علمت ذلك يا اخي: فإياك ان تحمل احوال الناس على احوالك السيئة ما دمت لم تتنظف من الرذائل. واعلم انه يجب عليك اذا رأيت في احد نقصا ان ترجع على نفسك باللوم وتجاهدها بالرياضة حتى لا تصير ترى في احد نقصا الا تبعا للشرع، كما يجب عليك ان تنظر فيما يترتب على الامور التي يسبق الى الذهن فيها سوء الظن من جواب او سكوت (حسن الظن بالناس ص34).
¥